للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[المناقشة]

سبق وأن أشرت إلى أن أساس الضلال الحاصل في المسائل المتعلقة بالقدر؛ اعتقاد ثمة تناقض بين الشرع والقدر، وعليه فالواجب أولًا بيان انتفاء التناقض بينهما، وأنه لا يلزم لإثبات القدر القدح في الشرع؛ كما فعلت الجبرية، ولا يلزم لإثبات الشرع القدح في القدر؛ كما فعلت القدرية، وأن التسليم بكليهما يقتضى عدم الميل بأحدهما عما يجب فيه، لذا كان المنهج الصحيح هو التوسط وعدم ضرب نصوص الشرع بعضها ببعض، بل الإيمان بأن: كلا من عند ربنا, "فأدلة الجبرية متضافرة صحيحة على من نفى قدرة الرب على شيء من الأعيان والأفعال، وعموم مشيئته وخلقه لكل موجود، وأثبت في الوجود شيئًا بدون مشيئته وخلقه.

وأدلة القدرية متضافرة صحيحة على من نفى فعل العبد وقدرته ومشيئته واختياره، وقال: إنه ليس بفاعل شيئًا، والله يعاقبه على ما لم يفعله، ولا له قدرة عليه بل هو مضطر إليه مجبور عليه" (١).

والحقيقة أن الخروج عن نهج الكتاب والسنة وما كان عليه السلف الصالح أساس لكل ضلال وبلاء، فالتسليم بالقدر دون جدال ومراء من أعظم أسس الإيمان بهذا الركن العظيم من أركان الإيمان ذلكم أنه قد نهى عن الجدال في القدر والخوض فيه بلا علم فالله تعالى لم يأمر عباده ولم يتعبدهم بكيفية القدر؛ ولكن تعبدهم بالتسليم له، مع عدم ضرب نصوص الدين بعضها ببعض، يقول الإمام الطحاوي (٢) "وأصل القدر سر الله تعالى في خلقه لم يطلع على ذلك ملك مقرب، ولا نبى مرسل، والتعمق والنظر في ذلك ذريعة الخذلان، وسلم الحرمان، ودرجة الطغيان، فالحذر كل الحذر من ذلك نظرًا وفكرًا ووسوسة، فإن الله طوى علم القدر عن


(١) شفاء العليل: ٩٤.
(٢) هو الإمام العلامة الحافظ أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة بن الملك بن سلمة بن سليم الأزدى الطحاوي الحنفى ولد سنة: ٢٣٧ هـ، قال عنه الشيرازي: انتهت إلى أبى جعفر رياسة أصحاب أبى حنيفة بمصر، صنف في اختلاف العلماء وفي الشروط وفي أحكام القرآن العظيم ومعانى الآثار، توفى سنة: ٣٢١. انظر: تذكرة الحفاظ: (٣/ ٨٠٨).

<<  <   >  >>