للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأنام، ونهاهم عن مرامه، كما قال تعالى في كتابه: {لَا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ} [الأنبياء: ٢٣]، فمن سأل: لم فعل؟ فقد رد حكم الكتاب، ومن رد حكم الكتاب كان من الكافرين" (١).

وعند سبر أقوال المخالفين لمنهج السلف؛ نجد أن الانحراف داخلهم من رد نصوص بعض الكتاب، أو استخدام بعض الألفاظ التي لم ترد في الشرع، فهؤلاء القدرية ردوا صريح الكتاب بأن الله تعالى خالق لكل شيء، وأنه لا أحد يملك الخروج عن مشيئته؛ كما قال: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ} [يونس: ٩٩]، فدلالة هذه النصوص على إثبات خلق الله تعالى لأفعال العباد صريحة صحيحة، لا يجادل فيها إلا مكابر، قد قدم هواه على الشرع الحكيم، وليس في ذلك ما يبطل الشرع وحكمة المولى تعالى؛ كما فعل غلاة الجبرية، ومتوسطوهم، فالله حكيم يضع كل شيء في محله، وقد تقدم هذا كما أنه عز وجل لا يجبر أحدًا على فعله، فالجبر مما لم يرد لأفعال العباد؛ فلا يقال جبر وإنما خلق وجبل، فالله تعالى أعظم من أن يجبر أحدًا على شيء، وإنما يخلق ويجبل عبده على ما يريد؛ حتى يجعل العبد مريدًا لأفعاله عن اختيار ومشيئة (٢).

لذا كان هذا من الألفاظ التي كرهها الإمام أحمد - رحمه الله -، فقد رد على من قال: إن الله جبر العباد، فقال: هكذا لا تقول وأنكر هذا وقال: يضل من يشاء ويهدى من يشاء، وفي رواية أخرى أنه في رده قال: بئس ما قال، ولم يقل شيئًا غير هذا (٣).

وجماع هذين الأمرين، أعنى: إثبات مشيئة العبد وإرجاعها أولًا وأخيرًا إلى مشيئة الرب تعالى، قوله عز من قائل: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٩]، يقول شيخ الإسلام: "وهذه الآية رد على الطائفتين: المجبرة


(١) شرح العقيدة الطحاوية: ٢٤٩.
(٢) انظر: الفتاوى لشيخ الإسلام: (٨/ ٤٦١).
(٣) المسائل والرسائل المروية عن الإمام أحمد: (١/ ١٥٨).

<<  <   >  >>