للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد أمر المصطفى وهو خير من طلعت عليه الشمس أن يعلن افتقاره إلى ربه بقوله: {قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ}.

أما الجهة الأخرى وهي في الحقيقة مستلزمة للأولى: حفظ لإرادة العبد من التعلق بغير الله تعالى، فينصرف لأجله نوع من أنواع العبادة التي لا تنبغي إلا لله، كالخوف أو الرجاء أو المحبة لذلك الولى، مما يؤدي إلى الوقوع في الشرك المخرج من الملة، فمن المعلوم أن أساس التوحيد هو إفراد الله تعالى بأفعال العباد، وفي الحديث الصحيح: (حق الله على العباد أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئًا) (١).

وهذا التوحيد هوالذي حصلت فيه الخصومة بين الأنبياء والأمم، فكان أساس دعوتهم لأقوامهم يستند إلى تحقيقه، وتخليص العقائد من معوقاته وموانعه، وأكتفى بهذا البيان هنا (٢).

[مدة الولاية]

لقد وافق الصاوي في هذه المسألة معتقد أهل السنة والجماعة؛ فظهر اعتداله في التفكير الصوفي جليًا هنا، فمن المسلم به أن الولاية ليست مقيدة بزمن معين، فهي باقية ببقاء أهل الإيمان وقراءة القرآن، فمع وجود المقتضى من الإيمان والتقوى، وانتفاء المانع من الإفراط أو التفريط؛ يتحقق مقام الولاية لمن اكتملت فيه هذه المقومات الموجبة لاتصافه بها.

وعليه فلا أساس لدعوى القائلين بختم الولاية من الصوفية، يقول شيخ الإسلام في هذه الحقيقة: "ولفظ خاتم الأولياء لا يوجد في كلام أحد من سلف الأمة ولا أئمتها، ولا له ذكر في كتاب الله ولا سنة رسوله، وموجب هذا اللفظ أنه آخر مؤمن تقي فإن الله يقول: {أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، فكل من كان مؤمنًا تقيًا كان الله وليًا، وهم على درجتين: السابقون المقربون،


(١) أخرجه البخاري في صحيحه: كتاب الجهاد والسير - باب اسم الفرس والحمار، رقم الحديث:
(٢) انظر: مبحث التوحيد: ١٦٥.

<<  <   >  >>