إن تحقيق كمال التعلم إنما يكمن بحسن التلقي، إذ الحاجة إلى الاقتداء في تحصيل العلم من الضروريات المتفق عليها، ولهذا كان اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم - بالتأسي به من أعظم مقتضيات الإيمان برسالته، قال تعالى:{لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا}[الأحزاب: ٢١].
وقد شرع ذلك التأسي؛ لأن الغاية من البعثة وهي تحقيق العبودية بالتزام مراضي الرب، واجتناب مساخطه، يصعب إمكان تحققها دون وجود الأسوة، التي تقوم بترجمة هذه الشرائع الربانية إلى واقع حي، يمثل الأنموذج الصادق الذي يتطلع إليه بعين الاقتداء والاتباع.
ومن هنا أنيط صدق الرجاء في نيل الثواب؛ بحسن اتباع النبي - صلى الله عليه وسلم -، والتأسي به في جميع الأقوال والأفعال، وكان هذا الأصل في الدين أحد الدعائم التي قامت عليها الشريعة جملة وتفصيلًا.
فصار اتباعه - عليه الصلاة والسلام -، هو دليل محبة الله تعالى، التي هي أساس العبودية وخالص لبها، قال تعالى:{قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ}.
ولما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - هو المتكفل بالتبليغ عن الله تعالى بتلقيه الوحي، وكان قد تكفل الله تعالى له بالعصمة، فما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى، كان - عليه الصلاة والسلام - هو المنفرد بتمام الاقتداء، وكمال الاتباع وليست هذه المنزلة في الاتباع إلا للنبي - صلى الله عليه وسلم -، وحقيقة هذا طاعة لله تعالى والتزام مراضيه، حتى أناط الحق تعالى حقيقة الإيمان به بالتزام شرعة نبيه - صلى الله عليه وسلم -، قال تعالى: {فَلَا وَرَبِّكَ لَا