للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بنفس الحجة، ولكنه في المقابل كثيرًا ما يفسر صفة الحكمة بالمعنى الصحيح، فيقول: الحكمة هي وضع الشيء في محله، بل ويقول سبحانك ما خلقت هذا عبثًا، وحتى يخرج من هذا التناقض؛ فإنه يفرق بين العلة الباعثة وبين الغائية، ويرى أن الغائية هي التي يصح وصفه تعالى بها، أما الباعثة فهى مراد الأشاعرة، ومعلوم ببداهة العقول أن هذا تقسيم باطل لا أساس له؛ إذ العلة الغائية هي الباعثة ولا فرق، ولكنه كأنموذج لما يقع فيه أهل الابتداع من الاضطراب والتناقض (١).

رابعًا: حجية الإلهام:

إن من أبين أنواع التناقض التي ظهرت في مسلك الاستدلال بالعقل عند الصاوى، تقديم حجية الإلهام على حجية العقل، كما قرر ذلك في طرق معرفة الباري تعالى، ولا يخفى أن هذا كان منه نتيجة؛ لمتابعة الأسلاف دون اقتناع كافٍ فيما تقرر لديهم؛ لكونه مجانبًا لحقيقة الإيمان الفطرى، الذي جبلت عليه النفوس.

ولا بد هنا من بيان أن اعتقاد حصول البيان التام بالشرع، لا يمنع إلاستئناس بما يدل عليه ويوافقه من طريق النظر أو الكشف، وإنما يقع المحظور في اعتقاد أن ثمة هدى ونور، يستقل ببيانه دليل سوى دليل الشرع (٢).

وإذا تقرر هذا الأصل العظيم في معرفة ما يأخذ بطريق الإلهام وما يرد؛ فإنه يظهر الضلال الذي وقع فيه الصاوى، عندما اعتمد الإلهام في الكشف عن معانى الآيات الكريمة، دون أن يكون لذلك التفسير مستندًا من الأصول التي سار عليها السلف، في فهمهم لنصوص الكتاب الكريم، وسيأتي في ذلك مزيد بيان بإذن الله (٣).

* * *


(١) انظر: مبحث الحكمة والتعليل: ٤١٧.
(٢) انظر: مبحث المعرفة: ١٢١.
(٣) انظر: مبحث القرآن الكريم: ٣٨٢.

<<  <   >  >>