للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ليس بإرادته، وهذا يوجب في الكفار أن يكونوا معذورين في تركهم معرفة الله تعالى وغير ذلك من المعارف" (١). وبما أن النظر والاستدلال هو سبيل العلم الوحيد، فإثبات العلم بغير طريقه جهل وضلال، والتقليد لا يخرج عن كونه دعوى لا برهان لها فثبت عدم إمكان الاحتجاج به في باب العقائد.

يقول الحافظ ابن حجر في حكاية حجتهم على ذم التقليد: "واستدل بعضهم بأن التقليد لا يفيد العلم، إذ لو أفاده لكان العلم حاصلًا لمن قلد في قدم العالم، ولمن قلد في حدوثه، وهو محال لإفضائه إلى الجمع بين النقيضين". (٢)

ومن هنا أطلقوا الأحكام الجائرة التي هي محض افتراء؛ إذ لا دليل عليها من كتاب ولا سنة، حيث تذهب المعتزلة إلى تكفير المقلد بينما يعتقد تفسيقه جمهور الأشاعرة (٣)، فيخرقون بذلك إجماع الأمة في قبول إيمان من أعلن كلمة التوحيد والتزم شعائر الإسلام.

* * *

[رأى الشيخ الصاوى]

بناءً على ما تقدم من عرض أقوال الشيخ الصاوى في قضية المعرفة وما لمسناه من اعتدال ظاهر فيها؛ نجده يصحح إيمان المقلد الذي امتلأ قلبه إيمانًا وعجز عن قيام الأدلة، بل يجزم بإيمانه؛ معللًا ذلك أنه ليس عنده ظن في حقيقة الإيمان، وفى المقابل يرى الصاوى أن التقليد الذي يضر بصاحبه ويوقعه في المهالك هو تقليد أهل الكفر، إذ لا عذر لهم في ذلك، وقد قامت الحجة عليهم.

يقول في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} [يونس: ٣٦]. "المراد بالظن خلاف التحقيق فيشمل الشك والوهم. وهذا الكلام في حق الكفار الذين اتبعوا غيرهم في الكفر وقلدوهم فيه، فلا عذر لهم في التقليد دنيا


(١) شرح الأصول الخمسة: (٥٢).
(٢) فتح الباري: (١٣/ ٣٥٤).
(٣) تقدم كلام الصاوى في حاشية الجوهرة، وانظر: تحفة المريد للبيجورى: (١٩).

<<  <   >  >>