للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وتأكيدًا لما ذهب إليه أولًا؛ فإنه يرى أن في نفى الحكمة مخرجًا من إيهام التناقض بين الشرع والقدر، فقد سبق وأن ذكرت تفريقه بين ما يريده تعالى، وما يأمر به، وكيف أنه أثبت لله تعالى إرادته لبعض ما قضى به دون أن يكون ذلك مرضيًا له، يقول في تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٤٨] "إن الإرادة لا تستلزم الرضا، بل قد يريد شيئًا، ولا يرضى به لتنزهه عن الأغراض في الأحكام، والأفعال، فلا تقاس أفعال الله على أفعال العباد؛ وذلك لأن ما يغضب الله لا يصل له منه ضرر، وما يرضيه لا يصل له منه نفع، بل معنى ذلك؛ أنه يعاقب على ما يغضبه، ويثيب على ما يرضيه، بخلاف العباد؛ فرضاهم لازم لإرادتهم؛ لأن ما يرضيهم يحصل لهم به النفع، فهو واقع منهم بإرادتهم، وما يغضبهم يحصل لهم به الضرر، فهو غير واقع بإرادتهم.

والكفار قد سووا بين الخالق والمخلوق، فقالوا ما قالوا، والمقصود من الشبهة إبطال إرسال الرسل وجعله عبثًا تعالى الله عن ذلك". (١)

[موقفه من الظلم]

وكان هذا أصل اعتمده في فهمه لمعنى الظلم تنزيهًا للمولى عنه، فقد أوَّل الظلم المنفى عن الله تعالى بالمراد الشرعي دون العقلى، يقول في تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} [هود: ١١٧]؛ "سمى الأخذ من غير ذنب ظلمًا تكرمًا منه، وإلا فحقيقة الظلم التصرف في ملك الغير من غير إذنه، ولا ملك لأحد معه، وهو بهذا المعنى مستحيل عقلًا على الله، وأما أخذه بغير ذنب؛ فهو وإن كان جائزًا عقلًا فمستحيل شرعًا؛ لأنه سماه ظلمًا تفضلًا منه، ونزه نفسه سبحانه عنه، كما ألزم نفسه بالرحمة تفضلًا منه". (٢)

ويرد بذلك على المعتزلة، ويرى أن اعتقادهم وجود التلازم بين الإرادة والأمر


(١) المرجع السابق: (٢/ ٢٨٩).
(٢) المرجع السابق: (٢/ ١٢١/ ٢١٦) (٤/ ٢٧).

<<  <   >  >>