للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ومن هنا دخل الانحراف في الفكر الاشعرى وظهر التناقض ممثلًا بشخصية الغزالي الذي أغرق في الاحتجاج بالضروريات حتى عد منها ما ليس منها في الحقيقة وواقع الأمر، وخرج عن قوانين المتكلمين إلى مجاهيل الصوفية، حيث أغرق في اعتماد الإلهام وعده مصدرًا معتمدًا في تلقى العقائد والأحكام بلا ضابط أو حد. (١)

ويكشف لنا الغزالي بذلك سبب ميل الصوفية إلى العلوم الإلهامية، وإعراضهم عن تلقى العلم بطريق التحصيل والكسب، يقول: "اعلم أن ميل أهل التصوف إلى العلوم الإلهامية دون التعليمية فلذلك لم يحرصوا على دراسة العلم وتحصيل ما صنفه المصنفون، والبحث عن الأقاويل بل قالوا: الطريق تقديم المجاهدة ومحو الصفات المذمومة وقطع العلائق كلها، والإقبال بكنه الهمة على الله تعالى. . . . وإذا تولى الله أمر القلب، فاضت عليه الرحمة، وأشرق النور في القلب، وانشرح الصدر، وانكشف له سر الملكوت، وانقشع عن القلب حجاب العزة بلطف الرحمة، وتلألأت فيه حقائق الأمور الإلهية". (٢)

وهذا بعينه ما قرره وهو يحكى قصة هدايته في كتابه المنقذ من الضلال، حيث قام بتصوير حاله أثناء تورطه بالشك الذي أوقعه فيه شبهات عرضت عليه في التسليم بالأوليات وكيف أن الهداية حصلت له لا بسبب واجتهاد، بل بنور قذفه الله تعالى في صدوره، يقول: "ولم يكن ذلك بنظم دليل وترتيب كلام بل بنور قذفه الله تعالى في الصدور، وذلك النور هو مفتاح أكثر المعارف. . . فمن ظن أن الكشف موقوف على الأدلة المحررة؛ فقد ضيق رحمة الله تعالى الواسعة". (٣)

* * *

[رأى الشيخ الصاوى]

مما سبق اتضح لنا أن الصاوى عاش في عصر متأخر؛ وكان قد تتلمذ على عدد


(١) انظر: إحياء علوم الدين، للغزالى: (١/ ٢٥٣).
(٢) المرجع السابق: (٨/ ٤٥٢).
(٣) المنقذ من الضلال: ٢٢ - ٢٣.

<<  <   >  >>