للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[التقليد وحكم المقلد]

من خلال عرض آراء المتكلمين السابقة في قضية المعرفة يمكن لنا تحديد مواقفهم المتباينة من قضية التقليد في العقائد، حيث تنبنى هذه القضية كسابقتها على الضرورة العقلية المتمثلة في إيجابهم للنظر، وأنه السبيل الوحيد للمعرفة، ومن خالفهم في هذه الحتمية لا بد أن يتحدد اتجاهه من التقليد وفق ما يقتضيه موقفه من النظر ابتداءً.

ونتيجة لما سبق يصبح موقف المعتزلة المتمثل بالرفض التام للتقليد ضرورة حتمية يقتضيها منهجهم العقلى الذي يذهب إلى أن المعارف لا تنال إلا بالنظر والاستدلال. يقول القاضي: "إن القول به - التقليد - يؤدى إلى جحد الضرورة؛ لأن تقليد من يقول بقدم الأجسام ليس بأولى من تقليد من يقول بحدوثها". (١) حيث يعرفه بأنه: "قبول قول الغير من غير أن يطالبه بحجة وبينة حتى يجعله كالقلادة في عنقه، وما هذا حاله لا يجوز أن يكون طريقًا للعلم". (٢)

ومع مخالفة الأشاعرة للمعتزلة في قضية التكفير إلا أنهم يتفقون معهم في ذم التقليد، وكان هذا نتيجة حتمية لإيجابهم النظر كما تقدم. (٣)

ويبرهن المتكلمون على فساد التقليد وعدم جدواه في الوصول إلى المعرفة الحقة؛ أنه يجوز على المقلد الوقوع في الخطأ والصواب دونما تميز، وما كان حاله كذلك لا يصلح أن يكون حجة لصاحبه، وأنه لو أمكن الاستناد إلى التقليد لما أرسل الله الرسل بالمعجزات والبراهين حتى يصل الناس إلى الإيمان بطريق التدبر والنظر في المعجزة الموجب للعلم بها، ولعذر الناس بكفرهم، يقول القاضي عبد الجبار: "لو كان ضروريًا، لوجب أن يكون من يعدم هذا العلم معذورًا في ذلك؛ لأن ذلك


(١) المغنى: (١٢/ ١٢٣).
(٢) شرح الأصول الخمسة: ٦١.
(٣) غاية المرام: ٣٢٣، وانظر: قواعد العقائد للغزالى: ٧٦، والتبصير في الدين للإسفرايينى: ١٨١.

<<  <   >  >>