إن ما اعتمده الصاوي في تحرير المقامات؛ كما فهمها من حديث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متابعًا بذلك أسلافه من الصوفية لا يسلم له، وذلك لعدم دلالته على ما ذهب إليه، فإنه أوَّل الحديث إلى حيث يستدل به على مقامات الصوفية في الفناء والبقاء، فجعل التقرب إلى الله تعالى بالنوافل، هو سبيل السائرين المستدلين بالصنعة على الصانع.
وجعل مقام الفناء في استحقاق المحبة، وذلك في قوله: حتى أحبه.
ومقام البقاء في قوله: كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، كما عبر عنه بأن العبد في هذه المرحلة يشهد الله قبل سمعه ومسموعه. . . .
وحتى يتم التنبيه إلى المراد لا بد من بيان معنى هذا الحديث العظيم، الذي دندن حوله الكثير من المتصوفة في الاستدلال؛ لما أتوا به من محدثات لا تمت إلى الدين بصلة.
وبادئ ذي بدء؛ فإنه قد سبقت الإشارة إلى أن الله تعالى قد ابتلى عباده بالإيمان بالمتشابه من الأدلة الشرعية، وبين أن الإيمان بها يقتضي التسليم، وعدم اعتقاد التضارب والتناقض في دين الله تعالى، حيث قال في محكم التنزيل على لسان المؤمنين:{كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا}، ومن هنا قرر العلماء حتى يتحقق التسليم الموجب لدفع التناقض؛ وجوب رد المتشابه إلى المحكم، الذي لا يختلف في معرفة المراد منه، وكان هذا الحديث أحد نصوص المتشابه، الذي يتعين رده إلى ما أحكم من النصوص؛ حتى يتبين المراد منه، دون وقوع فيما نهى المولى تعالى عنه.
وكما بينت سابقًا فقد يقع التشابه في النصوص؛ تبعًا للاختلاف في فهم النص على العامة، بحيث يغلب عدم إدراك المراد منه على الظاهر؛ مما يؤدي إلى وقوع البعض في اللبس، مع أن الحقيقة المقررة من قبل أهل العلم، تؤكد أن التشابه التام لا يكون إلا فيما يتعلق بالأمور الغيبية، من حيث إدراك الكنه، أما ما يتعلق بفهم