للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[دليل الإمكان]

يستند اعتقاد الفلاسفة في وحدانية الله تعالى إلى نفى شبهة التركيب، إذ الواحد يمتنع عليه التعدد، واعتقدوا أن في إثبات الصفات ما يخالف ذلك الأصل الذي بنو عليه توحيد الله وتنزيهه، حيث وصفوه بأنه عاقل لا يعقل إلا نفسه، ليس له إرادة ولا قدرة ولا أي صفة سوى العقل.

وعند التساؤل عن وجود هذه المفعولات الكثيرة المشاهدة، فإنهم يرجعون الإجابة إلى نظرية الفيض والصدور، فأبطلوا دلالة العالم على وجود فاعله من جهة الحدوث؛ لأن في إثبات حدوث المخلوقات استلزامًا لقيام صفة حادثة بالرب، يتعلق بها وجود الحوادث، وهذا ما يمتنع - عندهم - بناء على شبهة التركيب التي ينبنى عليها التفريق بين الواجب والممكن؛ وبذلك ينتفى إمكان الاستدلال على واجب الوجود - عندهم - إلا بطريق التصور المحض للوجود. (١)

ويعتمد هذا الاستدلال على تضمن الوجود المطلق للوجود الواجب والممكن، يقول ابن سينا: "لا شك أن هناك وجودًا، وكل وجود إما واجب وإما ممكن؛ فإن كان واجبًا فقد صح وجود الواجب وهو المطلوب، وإن كان ممكنًا فإنا نوضح أن الممكن ينتهى وجوده إلى واجب الوجود". (٢)

وتستند دلالة الوجود الممكن على الوجود الواجب إلى استحالة ترجح وجود الممكن على عدمه بلا مرجح (٣)؛ فإن واجب الوجود هو من يرجح الوجود على العدم، وإلا لزم الدور أو التسلسل الممتنعين (٤).


(١) انظر: الإشارات والتنبيهات: (٣/ ٥٤).
(٢) النجاة: ٣٨٣.
(٣) انظر: نهاية الإقدام في علم الكلام، الشهرستانى: ٩٩.
(٤) انظر المواقف: ٢٦٦. ولزيادة التوسع انظر: الأصول التي بنا عليها المبتدعة مذبهم في الصفات، ومبحث دلالة العقل على وجود الله في كتاب المعرفة في الإسلام.

<<  <   >  >>