للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المفعولات؛ معللين ذلك بأن حدوثها يلزم منه حدوث فاعلها، لاحتياجها إلى مرجح حادث يقوم به، كما أدى ذلك إلى الطعن في أصل إثبات المتكلمين القدم للمحدث - كما بينت - والزامهم بلوازم أصلهم الفاسد.

وقد بين شيخ الإسلام - رحمه الله - بطلان مذهبهم، يقول: "وهذا قول أكثر المعتزلة والأشعرية وغيرهم، يقرون بالصانع المحدث من غير تجدد سبب حادث.

ولهذا قامت عليهم الشناعات في هذا الموضع، وقال لهم الناس: هذا ينقض الأصل الذي أثبتم به الصانع، وأن الممكن لا يترجح أحد طرفيه على الآخر إلا بمرجح، فإذا كانت الأوقات متماثلة، والفاعل على حال واحدة، لم يتجدد فيه شيء أزلًا وأبدًا ثم اختص أحد الأوقات بالحدوث فيه كان ذلك ترجيحًا بلا مرجح". (١)

ثم بين - رحمه الله - أن الطريق الأسلم في هذا ما كان مستمدًا من الكتاب والسنة، وهو إثبات إرادة حادثة تقوم بالقديم يكون بها الترجيح، ولا يلزم منها حدوث ما قامت به. وبذلك تنتقى حجة الفلاسفة في إبطال مسلك المتكلمين في إثبات محدث قديم مفعولاته حادثة. (٢)

- ويبقى الرد على أولئك المعارضين من الفلاسفة (٣) بأنه إذا أمكن تعاقب حوادث لا أول لها بالأفلاك مع وصفها بالقدم؛ فلم لا يمكن قيام أفعال اختيارية بالقديم يكون بها حدوث الحوادث، ولا تمنع وصفه بالقدم؟ (٤).

هذا إلى جانب ما يلزمهم في نفى قيام الحوادث بالقديم من إثبات حدوث كل الحوادث بلا سبب ولا ذات متصفة بصفات كمال. (٥)

وبكل ما تقدم بان ضعف الدليل حيث بنى على مقدمات واهية، نتج عنها انحراف خطير التزمه المتكلمون في اعتقاد ما يجب في حق الله تعالى.


(١) الدرء: (٨/ ١٠٧).
(٢) منهاج السنة النبوية: (١/ ٤٢٥، ٤٢٦).
(٣) كابن رشد وأمثاله.
(٤) انظر: شرح العقيدة الأصفهانية: ٧١.
(٥) انظر: الدرء: (١/ ٣٧١).

<<  <   >  >>