للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وأما جمع توحيد الإلهية، فهو أن يجمع قلبه وهمه وعزمه على الله، وإرادته، وحركاته على أداء حق الله تعالى، والقيام بعبوديته سبحانه، فتجتمع شؤون إرادته على مراده الديني الشرعي" (١).

[مقام الفرق]

وأما مقام الفرق؛ فهو أيضًا في مقابل مقام البقاء بعد الفناء، لذلك يسمى بالفرق الثاني، حيث يصير العبد في حال من الصحو يتمكن بها من التمييز ومشاهدة الفروق، وقد قسم الإمام ابن القيم الفرق إلى الثلاثة أنواع: فرق حيواني، وفرق إسلامي، وفرق إيماني، وجعل الفرق الحيواني ما يحصل بمجرد الطبع والميل، حيث يكون موجب تفريقه ومعياره ما يمليه عليه طبعه وهواه، وهذا فرق المشركين وغيرهم من أهل الأهواء.

أما الفرق الإسلامي؛ فهو تفريق العبد بين ما شرعه الله وأمر به وأحبه ورضيه، وبين ما نهى عنه وكرهه ومقته، وكل من فقد التفريق بين هذه الأمور المتضادة؛ فقد خرج عن دائرة الإسلام.

وأما الفرق الإيماني؛ فهو ما يتوصل إليه بتحقيق مقتضى الإيمان بصفات الله تعالى؛ فيحصل للعبد بذلك التفريق بين أفعال الله تعالى وبين أفعال العباد، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: وأما إبراهيم وآل إبراهيم الحنفاء من الأنبياء والمؤمنين بهم، فهم يعلمون أنه لا بد من الفرق بين الخالق والمخلوق، ولا بد من الفرق بين الطاعة والمعصية، وأن العبد كلما ازداد تحقيقًا لهذا الفرق، ازدادت محبته لله وعبوديته له وطاعته له، وإعراضه عن عبادة غيره ومحبة غيره وطاعة غيره" (٢).

"وذلك تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله، فإنها تنفى عن قلبه ألوهية ما سوى الله، وتثبت في قلبه ألوهية الحق، فيكون نافيًا لألوهية كل شيء من المخلوقات،


(١) مدارج السالكين: (٣/ ٤٧١).
(٢) العبودية: ١٥٥.

<<  <   >  >>