للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

في الدنيا والآخرة، وأن الذين ابتدعوا أصولًا تخالف بعض ما جاء به هي أصول دينهم، لا أصول دينه، وهى باطلة عقلًا وسمعًا" (١).

وقال عن حملة هذا الدين: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} [آل عمران: ١١٠].

فقد وصفهم الله تعالى بالخيرية، وبين أنها تقتضى القيام بأشرف مهمة ميزها الله بها، وهى الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، ولنا أن نتساءل هل هناك معروف يؤمر به أعظم في الدين من الأمر بأصوله؟

فسكوت الصحابة - رضوان الله تعالى عليهم - عن الأدلة التي ابتدعها هؤلاء يعني عدم الحاجة إليها فضلًا عن اعتقاد تأصيلها لمسائل الدين (٢).

ثانيًا: نقض دعاويهم في تقديم العقل:

أما ما ادعوه من أن العقل أصل في معرفة الشرع؛ فلا بد من تقديمه في الدلالة على ما علم بطريقه، وأن ادعاء كفاية الشرع في الدلالة على أصوله يؤدى إلى الدور، الذي يعني توقف معرفة الأدلة على صحة السمع بالسمع نفسه، هو باطل لوجوه منها:

الأول: أن معرفة الله تعالى ربًا مستحقًا للكمال، أهلًا للعبادة، أمر قد فطر الناس عليه، وأدلته قد سبقت الإشارة إليها، ويحصل ذلك بالفطرة كما يحصل أيضًا بالإلهام، قال تعالى: {وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُوا بِي وَبِرَسُولِي قَالُوا آمَنَّا وَاشْهَدْ بِأَنَّنَا مُسْلِمُونَ} [المائدة: ١١١]. فينتفى بذلك القول بأن أصل السمع هو العقل.

الثاني: أن ادعاء حصول الدور، يعني نفى اشتمال السمع على البراهين العقلية، التي تعمل الذهن للوصول إلى الحقائق الشرعية، بمعنى أنهم يجعلون دلالة السمع


(١) مجموع الفتاوى: (١٦/ ١٢٤).
(٢) لمزيد من التوسع، انظر مبحث العلاقة بين العقل والنقل في كتاب المعرفة في الإسلام، د. عبد الله القرنى: ١٧٥.

<<  <   >  >>