وكان هذا هو هدى صحابة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ورضى عنهم فهم أصحاب الفرقة الناجية الذين "لا ينصبون مقالة ويجعلونها من أصول دينهم، وجمل كلامهم، إن لم تكن ثابتة فيما جاء به الرسول - صلى الله عليه وسلم -، بل يجعلون ما بعث به الرسول - صلى الله عليه وسلم - من الكتاب والحكمة هو الأصل، الذي يعتقدونه ويعتمدونه، وما تنازع فيه الناس من مسائل الصفات والقدر والوعيد والأسماء والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. يردونه إلى الله ورسوله"(١).
وبهذا يظهر ضلال من اعتقد أن ثمة حق ورشاد لم يرد دليله في الكتاب والسنة؛ لأن ذلك يلزم الطعن في مصدر الوحى، والمبلغ عنه، وفي حملة هذا الدين من بعده، وبطلان اللازم دليل على بطلان ملزومه.
أما عن المصدر، فقد قال المولى عز وجل:{الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ}[الحجر: ١].
واعتقاد بيانه يعني حصول أسباب الهدى والفلاح لمن تمسك به فلا يحتاج بعده أحدًا.
وقال عن المبلغ:{وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ}[النحل: ٤٤]. وبيان الرسول - صلى الله عليه وسلم - للقرآن؛ يقتضى أن يكون كلامه دالًا على أصول الشريعة كالدلالة على فروعها، وأن يكون مشتملًا على الأدلة العقلية التي بها يحصل برد اليقين، فما سكت عنه لا يمكن الحاجة إليه، ولو مع موافقته لما بين، فكيف يكون الحال مع ما يقتضى معارضة بعض ما جاء به، بل ورده تأويلًا أو تفويضًا، كما هو حال هؤلاء المتكلمين مع أصولهم الفاسدة، يقول شيخ الإسلام: "والرسول - صلى الله عليه وسلم - بين الأدلة العقلية والسمعية التي يهتدى بها الناس إلى دينهم، وما فيه نجاتهم وسعادتهم