للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تمهيد]

يقوم المعتقد الصحيح في استحقاق قبول العمل كما تقتضيه حقيقة الإيمان الشرعية على أمرين أساسين، لا انفكاك لأحدهما عن الآخر وهما: صحة القصد وسلامة المنهج، فإخلاص العمل لله تعالى، مع موافقته لشرعه المطهر، أساس القبول من المولى تبارك وتعالى.

وعلى هذا الأساس قام بناء الدين متكاملًا، يدعو لتحقيق السعادة في الدارين، فإذا كانت دعوة الرسل الأولى هي الدعوة إلى التوحيد، والتجرد من كل ألوان الشرك المخلة بهذا الأصل العظيم، فقد بينت أيضًا وجوب الاستقامة على الشرع، وأناطت قبول ذلك الإخلاص المجرد لله تعالى بالتزام هدى الأنبياء والرسل، الذين هم ترجمان الوحى، والقدوة الحية، التي يستنير بها طلاب الهداية والخير.

قال تعالى موجهًا الأمر لنبيه - صلى الله عليه وسلم - بالاستقامة: {فَلِذَلِكَ فَادْعُ وَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَقُلْ آمَنْتُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ مِنْ كِتَابٍ وَأُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللَّهُ رَبُّنَا وَرَبُّكُمْ لَنَا أَعْمَالُنَا وَلَكُمْ أَعْمَالُكُمْ لَا حُجَّةَ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ اللَّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنَا وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ} [الشورى: ١٥].

وقال تعالى: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ} [هود: ١١٢] إن هذه الآية قال فيها ابن عباس - رضي الله عنهما -: (ما نزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - آية هي أشد ولا أشق من هذه الآية عليه) (١) لتكشف عن حقيقة الاتباع المأمور به، والذي يقتضيه صدق الإيمان بالله تعالى وبرسوله، وإخلاص التوبة له.

فالأمر بالاستقامة على دين الله هو حقيقة إقامة شرائع الدين المنزلة على المصطفى - صلى الله عليه وسلم -؛ لذلك كان تفسير سفيان له بقوله: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ}: استقم على القرآن (٢).


(١) تفسير القرطبي: (٩/ ١٠٧).
(٢) المصدر السابق.

<<  <   >  >>