تبين مما سبق أن اعتقاد السلف في فطرية معرفة الله تعالى، هو مقتضى التسليم بنصوص الكتاب والسنة والإجماع، وأن ذلك الاعتقاد حقيقة في النفس البشرية لا يمكن دفعها، حيث يستند في مبدئه إلى الإذعان بالضرورة الفطرية التي تحتم التسليم بالمبادئ الأولية (١) والمسلمات اليقينية التي هي أساس التفكير البشرى والاستدلال العقلى.
وتمثل هذه الحقيقة في التصور السليم، المحور الأساس الذي تدور حوله الطرق الشرعية في الاستدلال على وجود الله تعالى، حيث تعتمد هذه الطرق العقلية على مبدأ السببية، الذي يقوم عليه دليل الخلق والإيجاد، ودليل الإحكام والإتقان. وبذلك فقد مثل هذا المبدأ أسمى مبادئ التفكير البشرى، الذي ميز الله تعالى به الإنسان، ليكون دليلًا هاديًا إلى معرفته تعالى إذا ضلت بصاحبها الأهواء.
ويتعين الاستدلال بالعقل على وجود الله تعالى؛ عند انطماس معالم الفطرة الكامنة في النفس البشرية، وذلك حين تحول الموانع الصارفة دون الوصول إلى هذه الحقيقة الفطرية، فيأتى هنا دور العقل البشرى ليكون هو الهادى بإذن الله تعالى إلى معرفته، حيث تنحصر وظيفته في إعمال المبدأ الفطرى، والركيزة اليقينية، وهى دلالة الأسباب على مسببها.
وقد نبه القرآن الكريم العقل البشرى إلى إدراك هذه الحقيقة حين خاطب المشركين، بطريق التقسيم الحاصر، حيث قال في محكم التنزيل:{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ}[الطور: ٣٥].
(١) المبادئ الأولية هي: التي لا تفتقر إلى شيء أصلًا بعد توجه العقل إليها، يقول الجرجانى: "هي التي لا تحتاج إلى البرهان بخلاف المسائل فإنها تثبت بالبرهان القاطع": تعريفات الجرجانى: ٢٥٠.