فيه كلام كبار الصوفية القائلين صراحة بهذه الوحدة، يقول في شرحه لإحدى الصلوات:[وصل وسلم وبارك على سيدنا محمد وأدخلنا حظيرة القدس]: "تطلق على مكان عن يمين العرش من نور، يقال فيه: حظيرة، من الحظر، وهو المنع، لمنعه من غير الخواص، وهو مكان في أعلى الجنة يشاهد المقربون فيه ربهم، كما يقتضي ذلك.
وتطلق على عالم الجبروت وهو عالم الأسرار وشهود الواحد القهار، وهذا لا يناله إلا من تخلى عن الشهوات النفسانية وخرج من الطبائع الحيوانية، حتى يمزق السبعين حجابًا الظلمانية التي حجبت بها النفس الأمارة بالسوء، وبمعنى هذا قول السيد البكري في ورد السحر: اجعل أرواحنا سابحات في عالم الجبروت أي عالم الأسرار كما علمت، واكشف لنا عن حضائر اللاهوت أي عن الحضرة الإلهية، فيشهدون سر المعية التي في قوله تعالى:{وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ}[الحديد: ٤]، ومن التحقيق بهذا المقام قول ابن الفارض:
ومتى غبت ظاهرًا عن عياني ... ألقه نحو باطني ألقاك" (١)
[المناقشة]
ظهر تمامًا في خلال عرضي لرأى الصاوي أنه لا يريد بوحدة الوجود التي صرح بها ما يريده الملاحدة منها، وأنه إنما عبر بها عن وحدة الشهود، لذا فإن مناقشتي هنا ستدور حول محورين، أولهما أبين به حقيقة وحدة الوجود الكفرية التي عرفت عن غلاة الصوفية والفلاسفة ونقضها وبيان بطلانها وعدم إمكان إرادتها من جهة الشرع، لأصل إلى أنه لا يمكن حملها على ما أراده الصاوي بها وفسر بها ألفاظ الغلاة من الصوفية الكفرية الصريحة.
أما الثاني: فهو بيان حقيقة وحدة الشهود وما يحويه هذا المصطلح المبتدع من موافقة ومخالفة، في ضوء أقوال السلف وفهمهم لهذه البدع الحادثة.