للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

عنه موجود أصلًا، ومعيته معه معناها تصرفه فيه، وتدبيره له معية معنوية لا يعلمها إلا هو، كما أن ذاته لا يعلمها إلا هو، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ومن كلام ابن وفا أن من أعظم إشارات وحدة الوجود: قوله تعالى: {سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ أَوَلَمْ يَكْفِ بِرَبِّكَ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [فصلت: ٥٣] ". (١)

وتأكيدًا لكونه لا يرى اعتقاد الحلول أو وحدة الوجود على ما عناه الغلاة من الصوفية، يقول في تفسيره: "وأشار للحقيقة بقوله: وهدى ورحمة للمؤمنين، لأن بالحقيقة التحلي بالأنوار الساطعة في القلوب، التي يرى بها الأشياء، على ما هي عليه عيانًا، فعند ذلك يرى الله في كل شيء، وأقرب إليه من كل شيء، علمًا ذوقيًا لا علمًا يقينيًا" (٢).

وهو لا يكتفي بهذا بل ينزه الله عن هذا الفهم، يقول في وصف التاج الذي يضعه أصحاب الطريقة الخلواتية: "مما يسمى بالتاج بين الصوفية الذي يوضع على الرأس وقرصه صوف أبيض وهو الخرقة المشهورة للسادة الخلواتية التي هي شعارهم، وفيه إشارة، كما قال أستاذنا المؤلف إلى سلوك طريق التصوف وبياض القلب، وهو مضرب على وجه مخصوص محيط به أربع جلالات أي من كل جهة اثنا عشر ضلعًا، عدة حروف لا إله إلا الله إشارة إلى شهود إحاطة الرب به من جميع جهاته إحاطة قيومية لا حسية تنزه الله عن ذلك، وبعضهم يجعل وسطه زارا إشارة للوحدة، وبعضهم يجعله خاليًا إشارة للفناء، وبعضهم يجعل في وسطه هاء هكذا إشارة إلى الهوية الدائرة بالعلم، دوران علم وقدرة وقيومية لا دوران حس" (٣).

وهو بهذا المعنى الذي يفسر فيه مراد الصوفية من وحدة الوجود نجده أيضًا يؤول


(١) حاشية الجوهرة: ١٩.
(٢) حاشية الجلالين: (١٢١: ٢).
(٣) حاشية الصلوات: ٧١. ولا شك أن هذا من البدع الحادثة التي ذكر المحققون أنها من تأثر الصوفية بالنصارى، وإنما الهدف من هذا النص بيان معتقد الصاوي في وحدة الوجود.

<<  <   >  >>