إن حقيقة الإيمان باليوم الآخر؛ هي التصديق الجازم بأن الله تعالى سيعيد العباد مرة أخرى إلى الحياة بعد موتهم؛ وذلك لمحاسبتهم، وإقامة العدل في شأنهم، وهذا يستلزم الإيمان بكل تفاصيل الإعادة والجزاء، التي أخبر بها المولى تعالى في كتابه، والتى دلت عليها السنة المطهرة، كالحساب والصحف والميزان والصراط والجنة والنار وغير ذلك.
ولا بد لمعرفة هذا الأصل العظيم من أصول الدين؛ أن نقف على أهم الأسس التي ينبنى عليها الإيمان الحق به، وذلك أن وقوع اليوم الآخر كما أخبر به المولى تعالى هو الحقيقة التي يقتضيها ما يتصف به عز وجل من صفات الكمال والعظمة، حيث يعتمد في حجية تحققه كما سبقت الإشارة إليه على الحكمة الثابتة في كل ما يكون منه سبحانه، قال تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (١١٥) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ} [المؤمنون: ١١٥، ١١٦].
فقد أناط المولى تعالى في هذه الآية الكريمة إرادته للبعث وإرجاع الناس إليه يوم القيامة؛ بنفى إرادة العبث منه سبحانه، وتعليقه هذا يقضى بأن تصرفه في جميع مخلوقاته إنما يتأتى من جهة إرادته لتمام الحكمة، الدائرة بين العدل والفضل.
وإذا تقرر هذا الأصل وهو الإيمان بحكمة الله تعالى، المقتضية لإحقاق الجزاء العادل منه سبحانه في اليوم الآخر، فلا بد من معرفة أن تحقق الجزاء في الآخرة متوقف لإثباته على حقيقة أخرى، تمثل في مكانتها الوسيلة التي يرتكز عليها إثبات ذلك الأصل، وهذه الحقيقة هي التي كثر إنكار الجاحدين لها من أهل الكفر والمراء؛ إذ في إنكارهم لها هدف لجحد ما يترتب عليها من إثبات الجزاء العادل المرتبط