للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بحقيقة الحكمة، فلا يمكن بحال انفصالها عنه، تلكم هي حقيقة البعث بعد الموت، وإعادة الحياة إلى الأجساد بعد مفارقتها لها، والتى تستند في إثباتها إلى اتصاف الله تعالى بالقدرة التامة المتعلقة بكل ما هو من شأنه الإمكان.

وإلى هذا المعنى يشير قول المولى تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} [التغابن: ٧].

وقد كانت العناية بشأن هذه الحقيقة تأصيلًا ودفاعًا؛ بإبطال شبه المنكرين لها ظاهرة في كتاب الله تعالى، هذا وقد تنوعت دلالته في إثباته لها؛ فمرة يتجه في تأصيلها إلى تنبيه وازع الإيمان، الذي يقضى بالتسليم لكل ما أخبر به المولى تعالى من أمور الغيب، ومرة يتجه إلى الغريزة الفطربة بما هو مغروس فيها من مبادئ أولية مسلمة، لا يمكن بحال أن يقف المتجرد أمامها موقف الإنكار، فتحمله بما غرس فيه على التسليم لها، والإذعان التام بوجوب تحققها (١).

ومع وضوح هذا المراد في كتاب الله تعالى، إلا أن الكثير من المتكلمين وقف أمامه موقف المنكر، وأحال أن يكون مستند إثبات البعث والجزاء الاستدلال العقلى النابع من التسليم للمسلمات الفطرية، وأرجعه على جهة الجزم إلى مقتضى التسليم بالغيب الموحى به من الله تعالى، والذي يسنده في كل ما أخبر به من حقائق محجوبة عدم خروجه عن الممكنات، التي تعلقت بها قدرة الباري تعالى.

يقول الإيجى في ذلك: "وهى جائزة عندنا، خلافًا للفلاسفة، والتناسخية، لأنه لا يمتنع وجوده الثاني لذاته ولا للوازمه، وإلا لم يوجد ابتداءً" (٢).

ويذكر هذا القسم من أصول العقائد الجويني فيما لا يدرك إلا بالسمع، يقول: "وأما ما لا يدرك إلا سمعًا؛ فهو القضاء بوقوع ما يجوز في العقل وقوعه، ولا يجب أن يتقرر الحكم بثبوت الجائز ثبوته فيما غاب عنا إلا بالسمع" (٣).


(١) وسيأتي الحديث عنه مع مناقشة آراء الصاوي في هذا الباب إن شاء الله.
(٢) المواقف: ٣٧١.
(٣) الإرشاد للجوينى: ٣٥٨ - ٣٧١.

<<  <   >  >>