للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(المبحث الثالث): الموت، وحياة البرزخ]

لقد تقدم الحديث عن أهمية الإيمان باليوم الآخر في حياة المسلم، وكيف أن التصديق به يقتضى الاستعداد له، فيتحقق بذلك الدافع الموجب لأداء ما افترض عليه، حيث الجزاء المعد لكل موفق ومقصر أو معرض بالكلية.

هذا والحديث عن اليوم الآخر، وما يتحقق فيه من مقتضى قيومية الله تعالى على خلقه واتصافه بالحكمة التامة، حيث الحساب العادل، والجزاء المستحق لكل بحسب ما قدم من عمل، يبتدئ على التحقيق بأول منزل من منازله وهى القبر أو البرزخ، كما أتت تسميته بذلك في القرآن الكريم، وإلى هذه الحقيقة الإيمانية الجزائية دلت الآيات والأحاديث الصحيحة المتظاهرة، فمن الكتاب قوله تعالى: {حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قَالَ رَبِّ ارْجِعُونِ (٩٩) لَعَلِّي أَعْمَلُ صَالِحًا فِيمَا تَرَكْتُ كَلَّا إِنَّهَا كَلِمَةٌ هُوَ قَائِلُهَا وَمِنْ وَرَائِهِمْ بَرْزَخٌ إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ} [المؤمنون: ٩٩، ١٠٠].

وقال عز من قائل: {وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ} [الأنعام: ٩٣] يقول الشيخ السعدى - عليه رحمة الله -: "وفي هذا دليل على عذاب البرزخ ونعيمه؛ فإن هذا الخطاب والعذاب الموجه إليهم إنما هو عند الاحتضار وقبيل الموت وبعده" (١)

وقال تعالى: {وَحَاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذَابِ (٤٥) النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوًّا وَعَشِيًّا وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذَابِ} [غافر: ٤٥، ٤٦] يقول الإمام الشوكاني: "وذهب الجمهور أن هذا العرض هو في البرزخ، وقيل هو في الآخرة، ولا ملجئ إلى هذا التكلف فإن قوله: {وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ أَدْخِلُوا آلَ


(١) تيسير الكريم الرحمن: ٢٦٤.

<<  <   >  >>