لقد كانت حكمة المولى تعالى في إخفاء وقت الساعة جلية واضحة؛ إذ الجهل بذلك مدعاة للعمل والأخذ بأسباب السلامة قبل أن يحل موعدها، وكان السؤال عن وقتها مما استكثر به الكافرون على رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، ودومًا كان يأتى الرد من المولى تعالى بأنه ليس في مقدور أحد الإحاطة بعلمها، وأن ذلك مما يختص بعلمه سبحانه، ولكن مع ذلك فقد دلت الأحاديث والآيات الكريمة على أن لها وقتًا محددًا، ويمكن معرفة اقترابه بتحقق بعض الدلائل، والتى تسمى بالأشراط (١)، فبها يعرف أن زمن قيام الساعة قد اقترب.
وهذه الأشراط تتفاوت فيما بينها؛ من حيث دلالتها على قرب قيام الساعة، فمنها ما يدل على دنو الموعد دون الوقوع، ويكون ذلك قبل مدة زمنية، وهى التي تسمى بأشراط الساعة الصغرى.
ومنها ما يدل على أنه قد حان وقت قيامها، حتى لا يكون هناك فاصل زمنى يذكر، وهذه التي تسمى بأشراط الساعة الكبرى، ولما كانت هذه المسائل من عظيم مسائل الإيمان؛ اعتنى السلف بذكرها، وجمعوا لذلك الأدلة من الكتاب والسنة، كما قاموا بتمييز الصحيح الذي ورد فيها من الضعيف، ولا يخفى مدى النفع الذي تحقق بمعرفتها، لذا تم إخبار المولى تعالى بها نبيه - عليه الصلاة والسلام -، بل وأمر جبريل - عليه السلام - أن يسأل عنها حتى يعم العلم بها كل من سمع ذلك الحديث المشهور.
وحتى يتم النفع؛ سأتناول كل واحدة من هذه الأشراط بالتفصيل والتبيان بإذن المولى تعالى، وذلك من خلال عرض آراء الصاوي في هذا المبحث:
(١) الأشراط هي العلامات، والواحدة تدعى: شرط، والمراد بها العلامات التي يعقبها قيام الساعة، انظر: لسان العرب لابن منظور: مادة: شرط: (٧/ ٣٢٩) وانظر: كلام ابن رجب في جامع العلوم والحكم، حيث قال: "علاماتها - أي -. التي تدل على اقترابها": ١٣٦.