العادل، الذي تقتضيه حكمة الباري تعالى، أو بعبارة أخرى لعلمهم بأن ذلك البعث لم يكن إلا لمجازاتهم على ما قدموه في الحياة الدنيا، وإلى هذا المعنى دل قوله تعالى آمرًا نبيه - عليه الصلاة والسلام - أن يتحدى اليهود على محبتهم الآخرة بتمنى الموت؛ فإنهم لما أيقنوا بالبعث ضرورة يعلمها أهل الكتب السماوية؛ علموا أنهم مجازون على أعمالهم الشريرة، والتى من أعظمها جرمًا عداء المصطفى - عليه الصلاة والسلام -، وتكذيبهم إياه، بل ومحاولة قتله - صلوات ربي وسلامه عليه -، فكرهوا من أجل ذلك الموت، وكانوا أحرص الناس على حياة، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٤) وَلَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَدًا بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ (٩٥) وَلَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النَّاسِ عَلَى حَيَاةٍ وَمِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَمَا هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذَابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِمَا يَعْمَلُونَ} [البقرة: ٩٤ - ٩٦].
بل وأظهر من هذا دلالة ما ذكرته سابقًا، من إبطال الباري تعالى لزعم الذين كفروا، بقوله:{زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ}[التغابن: ٧].