الدلالة كما تقدم الإشارة إليه أن "حكم الشيء حكم نظيره، وأنه سبحانه إذا كان قادرًا على شيء؛ فكيف تعجز قدرته عن نظيره ومثله".
وورود هذا المسلك كثيرًا في الآيات الكريمة، مما يدل على "إثبات القياس في أدلة التوحيد والمعاد"(١)
والصاوى في هذا المبحث يظهر اعترافه جليًا بحكمة الباري تعالى وإرادته العدل بين العباد، كما هو واضح من خلال كلامه المنصوص عليه سابقًا وكان هذا منه بمثابة الاعتراف بصحة مذهب السلف - رضوان الله تعالى عليهم - في إثباتهم الحكمة، وأن نفيها عنه يقضى بنسبة الظلم له تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا.
ولعل هذا من جملة ما وقع فيه من تناقض؛ نتيجة لموقفه المتميز في تحرير المذهب الأشعري بالجملة.
وعلى كل فإن الارتباط بين واضح بين إرادة البعث؛ وبين إثبات حكمة المولى تعالى، التي تتجلى في إلحاق الجزاء العادل بكل المكلفين، فقد أشرت سابقًا إلى أن إرادة المولى تعالى للبعث إنما تأكدت لأن به يكون إحقاق الحق، الذي قامت به السموات والأرض، وهذا مقتضى اتصاف الباري تعالى بالكمال المطلق، ثم إن دلالة الكتاب والسنة في إثبات ذلك ظاهرة صرحت بها الآيات في عدد من المواضع، قال تعالى:{وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ}[ص: ٢٧].
هذا من جهة، ومن جهة أخرى فإن في تكذيب الكافرين لحقيقة البعث دلالة أخرى على هذا الارتباط؛ ذلك أن الكافرين ما أنكروا البعث حقيقة لشكهم في قدرة الباري تعالى على ذلك مع إقرارهم بأنه خالق السموات والأرض وخالق أنفسهم، وإنما كان منهم ذلك لعلمهم بالتلازم الذي بين البعث، وبين الجزاء
(١) مدارج السالكين، لابن القيم: (٣/ ٦٨١) بتصرف بسيط. ولمزيد من التوسع يوصى بالرجوع إلى رسالة المعرفة في الإسلام لشيخنا الفاضل الدكتور: عبد الله القرنى، مبحث: دلالة العقل على البعث والجزاء.