ومن ذلك قصة الرجل الذي مر على قرية وهى خاوية على عروشها: أي خربة قد تهدمت، فلم يبق من معالمها سوى أسقف منازلها، التي عبر عنها بالعروش؛ فاستبعد حين رأى ذلك المنظر الموحى بالفناء والزوال أن تعود الحياة لها مرة أخرى، فأتته الإجابة على استبعاده بما لا يملك له ردًا، حيث توفاه الله مائة عام ثم بعثه، قال تعالى في حكاية ذلك:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْمًا فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة: ٢٥٩].
وكان أيضًا مما ورد في الاستدلال على البعث بوقوعه في هذه الدنيا ما ورد في حكاية خبر إبراهيم - عليه السلام - عند سؤاله المولى عز وجل مشاهدة بعث الأموات؛ فأراه الله ذلك بأن أمره أن يقطع أربعة من الطير قطعًا متفرقة، ثم يضع كل مجموعة منها على رأس جبل، ثم يعلن نداءه لهن فيجبن لذلك النداء بأمر الباري تعالى، وكان هذا المشهد الحسى لإبراهيم - عليه السلام - نقلة ابتغاها من علم اليقين الذي لا شك فيه بوجه من الوجوه، إلى عين اليقين بحيث يصبح مستند الدلالة إيمانًا بالشهادة مع الإيمان بالغيب.
- أما الاستدلال على البعث بوجود نظيره فتتجلى صورته في إحياء موات الأرض بإنزال الغيث من السماء بإذن الله، فإن مقتضى إعادة الحياة إلى ما اندثرت فيه معالمها كما هو الحال في إحياء الأرض بعد موتها أن ينسحب حكم الإمكان على كل ما يماثلها من هذه الحيثية، وهذا ما دل عليه قول المولى تعالى:{وَمِنْ آيَاتِهِ أَنَّكَ تَرَى الْأَرْضَ خَاشِعَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ إِنَّ الَّذِي أَحْيَاهَا لَمُحْيِ الْمَوْتَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[فصلت: ٣٩].
والحديث في استقصاء ما ورد في ذلك من القرآن والسنة يطول، ومستند هذه