للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إما بقياس ما غاب عنا من البعث العام على المشاهد من البعث الخاص، فهو استدلال بحصول المثيل المشاهد على حصول مثيله الغائب.

وإما استدلال بما غاب عنا من البعث على المشاهد في حصول نظيره.

وكلا هذين الضربين ورد الاستدلال بهما في كتاب الله العزيز في عدد من المواضع.

وترجح حجية هذا الضرب من القياس في الاستدلال للبعث؛ لوجود القاسم المشترك، وهو ما يسمى بجامع الحقيقة عند المتكلمين (١) والذي أرشد إليه ابن رشد وأوقف عليه حجية الاستدلال بهذا الضرب من القياس: "التيقن باستواء طبيعة الشاهد والغائب" (٢)

فإن حقيقة ما غاب عنا من بعث الأجساد يتفق في طبيعته مع ما يشاهد من بدء الخلق، أو ما يماثله مما وقع للأمم قبلنا، أو نظيره من إحياء موات الأرض بعد فنائها.

وترجع أهمية قياس ما غاب عنا من البعث بالمشاهد منه؛ إلى كونه مما يحيل العقل امتناعه بعد وجوده على أرض الواقع؛ إذ يصبح لمن شاهده أمرًا محسوسًا، القدح فيه قدح بالمسلمات الضرورية التي لا يمكن بحال الشك فيها أو ردها.

أما من غابت هذه الوقائع عنه، فيكون مستند هذه الدلالة حينئذ هو الوحى الصادق؛ حيث أخبر عنه بعثة جميع الأموات: آحاد ومتفرقين، كما يرجع إلى الخبر المقطوع به من جهة تواتر مقتضاه، فقد كانت هذه القصص مما تواتر سماعها في جهات الأرض، وكان لأهل الكتاب في هذا المضمار حكايات معروفة، يقصونها على العرب قبل البعثة؛ حتى حمل بعضهم التعنت وطلب التعجيز على سؤال النبي - عليه الصلاة والسلام - عن قصة أصحاب الكهف، كما هو معلوم في كتب التفسير المشهورة. (٣)


(١) انظر: الإرشاد للجوينى: ١٥٤.
(٢) الكشف عن مناهج الأدلة: ١٠٩.
(٣) انظر: تفسير البغوي: (٥/ ١٤٦ - ١٤٧).

<<  <   >  >>