للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[حقيقة الظلم]

وبناء على ما تقدم يعلم بطلان تعريف الظلم؛ بأنه التصرف في ملك الغير، ومن ثم تنزيه المولى تعالى عنه - كما ذكر الصاوي - بل حقيقة الظلم التي يجب نفيها عن المولى تعالى كما بينها السلف؛ هي وضع الشيء في غير محله (١).

وعليه فوضعه تعالى للأشياء في محلها هو عين الحكمة، وتمام العدل والرحمة.

وكان هذا مما فسر به الصاوي (الحكيم) على أحد قوليه، ولو تفطن لما يقتضيه هذا الوصف؛ لأثبت به عدل الله تعالى وحكمته، وبذلك ينتفى عنه الظلم.

وعليه فإن تفسير الظلم - الذي تواترت الأخبار بتنزيهه تعالى عنه - بإنه التصرف في ملك الغير؛ هو عين الجهل؛ إذ لا مستند له من اللغة، أو الشرع، تقول العرب: (من شابه أباه فما ظلم)، كما يقال: (هو أظلم من حية)؛ لأنها تدخل حفرًا لم تحفرها، فهذا المعنى للظلم مما هو معروف في اللغة، والأمثلة على ذلك كثيرة (٢).

أما في الشرع؛ فمن مقتضى استحقاق المولى تعالى للحمد والثناء تركه تعالى للظلم مع قدرته على فعله. "ومعلوم أن المحال الذي لا يمكن، ولا يكون مقدورًا أصلًا لا يصلح أن يمدح الممدوح بعدم إرادته ولا فعله، ولا يحمد على ذلك، وإنما يكون المدح بترك الأفعاله لمن هو قادر عليها، وأن يتنزه عنها لكماله، وغناه، وحمده" (٣).

هذا ويستدل الإمام ابن القيم على بطلان ما ذهب إليه الأشاعرة في تفسيرهم للظلم، بقوله تعالى: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ} [الزخرف: ٧٦] يقول: "فنفى أن يكون تعذيبه لهم ظلمًا، ثم أخبر أنهم هم الظالمون بكفرهم، ولو


(١) انظر: جامع الرسائل: ١٢٤.
(٢) انظر: لسان العرب مادة ظلم: (٥/ ٢٧٥٦)، وانظر: تأويل مشكل القرآن، لابن قتيبة: ٤٦٧: تحقيق: أحمد صقر.
(٣) مفتاح دار السعادة: (٢/ ١٠٨).

<<  <   >  >>