للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان الظلم المنفى هو المحال، لم يحسن مقابلة قوله: {وَمَا ظَلَمْنَاهُمْ}، بقوله: {وَلَكِنْ كَانُوا هُمُ الظَّالِمِينَ}، بل يقتضى الكلام أن يقال: ما ظلمناهم؛ ولكن تصرفنا في ملكنا وعبيدنا، فلما نفى الظلم عن نفسه، وأثبته لهم؛ دل على أن الظلم المنفى؛ أن يعذبهم بغير جرم، وأنه إنما عذبهم بجرمهم وظلمهم" (١).

مع ما يلزمهم من نسبة القبيح لفعله تعالى الله عن ذلك علوًا كبيرًا (٢).

أما ما اعتقده الصاوي من أن نفى التعليل والغرض فيه رد على المعتزلة؛ فهذا باطل لا يصح؛ لأن شبهتهم في تلازم الأمر والإرادة لا تبطل بمثل هذا التقرير المباعد للحقيقة الشرعية الفطرية في إثبات الغرض المحمود في أفعاله تعالى، بل الرد عليها يكون بما تقدم من أن حكمته تعالى قد تخفى في ظاهر المراد مع وجودها؛ لتعلق حكمته، وعدله، ورحمته بكل ما يكون منه، وما يتصرف فيه من خلق وأمر.

كما يكون أيضًا بالتأكيد على قضية التلازم بين الرضا؛ والمراد شرعًا، لا قدرًا، وذلك ببيان الأدلة الثابتة الدالة على أنه تعالى لا يرضى لعباده الكفر، معِ تمام ملكه وقدرته، وأنه لا يكون إلا ما يشاء سبحانه، كما قال: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ} [التكوير: ٢٩].

ثم إن الأساس الذي قام عليه مذهبهم في تنزيه المولى تعالى عن الظلم؛ هو إثبات الحكمة على المعنى المشاهد عند البشر، وذلك بقياس الشاهد على الغائب، فما وجدوه قبحًا وظلمًا من أفعال العباد نزهوا الله عن إرادته، وحكموا بنسبته لفعل العبد على جهة الاستقلال، وقد سبق بيان فساد هذا المسلك في الاستدلال على صفات الله تعالى؛ لأنه لا يستقيم الاستدلال به إلا مع التيقن من استواء طبيعة الشاهد والغائب، أما وقد دل برهان الفطرة والشرع على أنه تعالى ليس كمثله شيء؛ فلا اعتداد بمثل هذه الأقيسة الدخيلة على المعتقد، ويبقى الاستغناء بما دل


(١) مفتاح دار السعادة: (٢/ ١٠٧).
(٢) انظر: الفتاوى: (٨/ ٥٠٩).

<<  <   >  >>