للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كمال، منزه عن كل نقص، والإنصاف في الاعتقاد؛ نسبة الأفعال كلها لله، ونسبة الكسب للعبيد؛ خلافًا للجبرية والمعتزلة، فالفرقة الأولى نفت الكسب أصلًا، وقالوا: العبد كالخيط المعلق في الهواء، لا فعل له أصلًا، وتعذيب الله له ظلم، وهؤلاء كفار، والفرقة الثانية، قالوا: العبد يخلق أفعال نفسه الاختيارية، وهؤلاء فساق، وكلا المذهبين جور، والإنصاف نسبة الأفعال كلها لله خيرها وشرها، ظاهرها وباطنها، ولكن من الأفعال ما هو جبرى، وهذه لا كسب للعبد فيها، ولذا لا يثاب عليها ولا يعاقب، ومنها ما هو اختيارى، وهذه للعبد فيها نوع كسب ولذا يثاب عليه إن كان خيرًا ويعاقب عليه إن كان شرًا" (١).

أما عن المراد بالكسب؛ فيوضح ذلك بقوله: "الكسب هو تعلق قدرة العبد وإرادته بالفعل، فإذا تعلقت قدرة العبد وإرادته بالفعل؛ فمن عظيم قدرة الله تعالى إيجاد الفعل عند قدرة العبد لا بقدرته وإرادته" ويضرب لذلك مثالًا: "كقطع السكين مثلًا؛ فإن القطع عند مرور السكين لا بالسكين؛ فإنه يمكن تخلفه، فمقارنة قدرة العبد وإرادته لإيجاد الله هو المسمى بالكسب" (٢).

وهذا ما يدعو إلى معرفة رأيه في:

ثانيًا: الأسباب, وموقف الناس منها:

يجمل الصاوي رأيه في موقف الناس من الأسباب، فيقول: "من قال: إن الأسباب العادية تؤثر بذاتها من غير جعل من الله تعالى؛ كفر بالإجماع، ومن قال: بقوة خلقها الله فيها فمبتدع، ومن قال: إنها تؤثر بإذن الله لكون بينها وبين ما قارنها ملازمة عقلية؛ فلا يصح التخلف، فهو جاهل واعتقاده يؤول به إلى الكفر" (٣).

ويستدل على صحة مذهبه في أن الأسباب لا تؤثر إطلاقًا؛ بحادثة الفداء كما في قصة إبراهيم مع ولده إسماعيل - عليهما السلام -، يقول: "استدل أهل السنة على


(١) حاشية الجلالين: (٢/ ٣٠١).
(٢) حاشية الجوهرة: ٣٥.
(٣) حاشية الخريدة: ٦٨. وانظر: حاشية الجلالين: (٣/ ١٥٢).

<<  <   >  >>