للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تمهيد]

اقتضت حكمة المولى تعالى وعظيم منته؛ أن يختص بفضله من يشاء من عباده؛ ليتم بذلك أداء رسالة التبليغ، والتي بها يخرج الناس من ظلمات الجهل والكفر إلى نور اليقين والإيمان، فالرسالة نعمة سابغة بها يتأتى الرضا بالله ربًا وبشرعه دينًا، قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [آل عمران: ٣١] ومن هنا علمت الضرورة الملحة إلى إرسال الرسل، والاقتداء بهديهم، فـ "بمتابعتهم يتميز أهل الهدى من الضلال، فالضرورة إليهم أعظم من ضرورة البدن إلى روحه، والعين إلى نورها، والروح إلى حياتها" (١).

وقال: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل: ٣٦]، يقول الإمام السعدي - رحمه الله -: "يخبر تعالى أن حجته قامت على جميع الأمم، وأنه ما من أمة متقدمة أو متأخرة، إلا وبعث الله فيها رسولًا، وكلهم متفقون على دعوة واحدة، ودين واحد، وهو عبادة الله وحده لا شريك له" (٢)

وقال: {لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} [الحديد: ٢٥]، يقول الإمام ابن كثير - رحمه الله -: "أي بالحق والعدل، وهو اتباع الرسل فيما أخبروا به، وطاعتهم فيما أمروا به، فإن الذي جاءوا به هو الحق، كما قال تعالى: {وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} [الأنعام: ١١٥]، أي صدقًا في الأخبار، وعدلًا في الأوامر والنواهي، ولهذا يقول المؤمنون إذا تبوأوا غرف الجنات: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي هَدَانَا


(١) زاد المعاد، لابن القيم: (١/ ٦٩).
(٢) تيسير الكريم الرحمن: ٤٦٨.

<<  <   >  >>