للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[رأي الشيخ الصاوي]

يلتزم الصاوي مسلك سابقيه في تقرير نظرية الكسب، مع ميل واضح إلى تقرير عقيدة الجبر؛ متأثرًا بذلك بالفكر الصوفي، الذي يجعل من القدر حقيقة مرادة، ولو عارضت الشرع في الظاهر، وعند سبر أقواله في هذا المجال؛ يمكن إرجاعها إلى عدة نقاط كلها تهدف إلى ما سبق بيانه:

أولًا: أفعال العباد وحقيقتها القدرية:

يرجع الصاوي الأمر كله لله تعالى؛ فهو الخالق وهو الفاعل، ولا يثبت للعبد إلا ميلًا يحدثه حال اختياره، يقول: "إن الله خالق لعبيده، وما عملوه من خير أو شر اختيارًا أو اضطرارًا، وليس للعبد إلا مجرد الميل حالة الاختيار؛ ولذا طولب بالتوبة والإقلاع والندم، واستحق التعزير والحدود والثواب والعقاب" (١).

كما يلحظ منه تصريح بالجبر، ولا يرى في ذلك بأسًا، يقول في تفسير قوله تعالى: {وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} [الإنسان: ٣٠]: " (وما تشاءون)؛ رجوع للحقيقة، وإعلام بأن العبد مختار في الظاهر، مجبور في الباطن على ما يريده الله منه" (٢).

ويقول في تفسير قوله تعالى: {أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ} [الأعراف: ٥٤]: "المراد بالخلق؛ الإيجاد، وبالأمر؛ التصرف، فهو منفرد بالإيجاد والتصرف فلا شريك له فيهما، وتصرف الحادث إنما هو بتصرف الله له، وليس لمخلوق استقلال بتصرف أبدًا، وإنما العبيد مظاهر التصريف" (٣).

وحتى يخرج نفسه من دائرة الجبر المحض؛ يقرر معتقد الأشاعرة في الكسب، سالكًا مذهب الأشعرى في ذلك، يقول في تفسير قوله تعالى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} [النحل: ٩٠]: "الإنصاف في التوحيد؛ اعتقاد أن الله متصف بكل


(١) حاشية الجوهرة: ٣٤.
(٢) حاشية الجلالين: (٤/ ٢٩١).
(٣) حاشية الجلالين: (٢/ ٧٣).

<<  <   >  >>