للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وكذلك الأشعرية التزمت نفس الشبهة في منع صدور الفعل بقدرتين وقادرين، ولكن مع اختلاف في النتيجة؛ حيث أثبتت وجود القدرة الحادثة في العبد، ولكن دون أن يكون لها أدنى أثر في إحداث الفعل، فالفعل فعل الله تعالى، وقدرة العبد ما هي إلا سبب اقترانى يوجد الفعل عنده لا به، وكان هذا هو مذهب الأشعري وعليه بنى النظرية المعروفة بالكسب

هذا والمذهب الأشعري الممثل بكبار منظريه؛ قد حصل فيه اضطراب في حقيقة الكسب، وذلك أن القاعدة التي أسسها الأشعري لتصور علاقة الإنسان بأفعاله لم تكن مستساغة لدى جميع من سار على نهجه (١).

وعلى الرغم من هذه المحاولات العديدة من الأشاعرة في رفض الجبر عقيدة ومذهبًا، وإضفاء نوع من الواقعية لفكرة الكسب؛ حتى تبعده عن مذهب الجبر، إلا أن الرازي وهو العالم بخفايا المذهب، الواقف على أغوار مراميه، يتفطن إلى أن المراد بالكسب تقرير مذهب الجبر، ويدعم موقفه هذا بالأدلة التي يرى فيها تأييدًا لما ذهب إليه؛ فيستدل على أمرين ليصل بنتيجتيهما إلى ما يريد من تقرير الجبر: خلق أفعال العباد بدليل الإمكان؛ إذ لا تخرج عن كونها إما ممكنة، أو واجبة. ولما استحال وجوبها؛ إذ لا يرجح وجودها على عدمه إلا بمرجح، لم يبق إلا كونها ممكنة؛ بمعنى مخلوقة" (٢).

وقد يعارض موقف الرازي من حقيقة الكسب بموقف آخر لواحد من كبار منظرى المذهب الأشعري، ذلكم هو الإمام الجويني؛ حيث رد على من نفى التأثير مطلقًا من جهة الجد، وأرجع حقيقة الكسب إلى السببية؛ فأثبت بهذا لقدرة العبد أثرًا في الفعل على جهة السببية، ودون الاستقلال (٣).

* * *


(١) الإنصاف للباقلاني: ٤٦.
(٢) المباحث المشرقية للرازي: (٢/ ٥٤٤).
(٣) شفاء العليل: ٢١٢.

<<  <   >  >>