للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[(المبحث الأول): مصادره في العقيدة]

أولًا: مكانة العقل في التلقى:

الصاوى كأحد كبار متكلمى عصره؛ المتبعين للمذهب الأشعري، يرى موافقة الأشاعرة في أن للعقل دورًا أساسيًا في تلقى أصول العقيدة، إلى جانب الكتاب والسنة، مصدر الوحى المعصوم.

وكان ذلك بناء على التقسيم المشهور الذي عليه غالبهم؛ حيث التمييز بين ما يدرك بالعقل عندهم، وبين ما يمكن فيه الاعتماد على العقل والسمع، وبين ما لا يمكن إلا بطريق السمع، وتبقى دلالة العقل عليه بالإمكان، فمعرفة الله تعالى والإيمان بصفاته عز وجل، وتصديق الرسول بالمعجز مما لا يمكن إدراكه إلا بالعقل، ويأتى النقل في ذلك تبعًا لما تقرر بدليل العقل.

أما ما يجوز فيه المسلكان، فهو كل ما لا يتوقف التوحيد والنبوة على العلم به، كرؤية الباري تعالى للمؤمنين، وجواز المغفرة للمذنبين.

أما ما يستقل السمع بالدلالة عليه، فهو كل ما جوز العقل وقوعه، كاليوم الآخر وما يقع فيه، ومجمل مسائل الشرع، كقضايا التكليف؛ من الوجوب والإباحة والحظر والمنع (١).

ويستند وجوب الاستدلال العقلى عند المتكلمين في إثبات ما يجب في حق الله تعالى من الوجود، وغيره من مسائل الإلهيات، إلى أصلين لا يكاد يخالف فيها أحد منهم:

الأول: أن أصول الاعتقاد يتوقف على معرفتها النقل، وما توقف عليه النقل لا يمكن إثباته بدليل النقل، لما يلزم من الدور الباطل، يقول الإيجى (٢) عند حصره


(١) انظر: الإرشاد للجوينى: ٣٥٨.
(٢) هو عبد الرحمن بن أحمد بن عبد الغفار، أبو الفضل الإيجى، من كبار الأشاعرة ومحررى مذهبهم، تأثر كثيرًا بالفلسفة وعلم الكلام. توفى سنة: ٧٥٦ هـ. انظر: طبقات الشافعية للسبكي: (٦/ ١٠٨).

<<  <   >  >>