للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأقسام الدليل: "الثاني: ما يتوقف عليه النقل مثل وجود الصانع ونبوة محمد، فهذا لا يثبت إلا بالعقل إذ لو أثبت بالنقل لزم الدور" (١).

الثاني: أن إفادة الدليل العقلى قطعية، وإفادة الدليل السمعى ظنية، ولا يمكن أن يستدل على الأصول بدليل ظنى، لأنه لا يمنع وجود المعارض العقلى، الذي يستحيل معه تقديم الدليل السمعى، لانه الأصل الذي دل على ثبوت الشرع، ويذكر الرازي (٢) ذلك من ضمن الشروط التي أوجب توفرها؛ حتى تصبح إفادة الدليل يقينية، فيقول: "وعدم المعارض العقلى الذي لو كان لرجح، إذ ترجيح النقل على العقل؛ يقتضى القدح في العقل المستلزم للقدح في النقل؛ لافتقاره إليه، وإذا كان المنتج ظنيًا؛ فما ظنك بالنتيجة" (٣).

فكانت القاعدة التي تأسست بناء على ما تقدم: أن الاستدلال للأصول لا يمكن إلا بطريق العقل، لانه أصل السمع، فيجب استقلاله بالاستدلال عليها، حتى ولو ترتب على ذلك لوازم فاسدة، ونتائج يقطع الشرع ببطلانها.

* * *

ومتابعة لما عليه المتكلمون من اعتقاد استقلال العقل في الدلالة على توحيد الرب، يقول الصاوى معللًا مذهبه: "لأن ما توقفت المعجزة عليه وهى الوجود والقدم والبقاء والمخالفة للحوادث والقيام بالنفس والقدرة والإرادة والعلم والحياة وكونه قادرًا عالمًا وحيًا دليلها عقلى، والذي أوجبها هو الشرع؛ بمعنى أنه إذا جاءنا رسول وقال لنا: أنا مرسل من عند الله؛ وآية صدقى انشقاق القمر مثلًا، يحتاج إلى استفادة هذه الصفات من العقل أولًا، وإلا بأن استفيدت من الرسل لزم الدور؛


(١) المواقف: ٣٩. والإرشاد للجوينى: ٣٥٨، ٣٥٩.
(٢) هو محمد بن عمر بن الحسن البكرى، يعرف بابن الخطيب، يلقب بفخر الدين الرازي، من كبار الأشاعرة وقد خلط المذهب بالتقعيد للفلسفة حيث تأثر بها كثيرًا توفى سنة: ٦٠٦ هـ. انظر ترجمته في: سير أعلام النبلاء (٢١/ ٥٠٠، ٥٠١).
(٣) المحصل للرازي: ١٤٢، انظر: المواقف: ٤٠.

<<  <   >  >>