للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أما القدرية المتوسطة فهم الذين أنكروا المشيئة والخلق المتعلق بأفعال العباد، ولهم في ذلك شبه سيأتي بيانها ومناقشتها في المباحث التالية إن شاء الله تعالى، وتتزعم المعتزلة هذا الاتجاه ويظهر كمعتقد يتضمنه أصل من أصولها الخمس التي لا يعد معتزليًا إلا من بنى معتقده على أساسها (١).

وفي مقابل هذا الاتجاه الغالى لنفى القدر ظهر الجبر كمعتقد يتزعمه الجهم بن صفوان مرددًا أقوال الكفرة الذين نزل بشأنهم: {وَقَالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا عَبَدْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ} [النحل: ٣٥]، ولما كان الغلو في هذا الاتجاه بارز المعالم، مناقضًا للكثير مما هو معلوم بالضرورة من الدين، وكان قد لقى رواجًا في أوساط بعض المسلمين؛ لما فيه من مناقضة لمذهب القدرية، الذين شاع تكفير الأئمة لهم، ظهر له امتداد على يد الأشاعرة، ولكن دونه من ناحية الغلو.

يقول شيخ الإسلام: "فقابل هؤلاء قوم من العلماء والعباد وأهل الكلام والتصوف؛ فأثبتوا القدر، وآمنوا بأن الله رب كل شيء ومليكه، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه خالق كل شيء ومليكه، وهذا حسن وصواب لكنهم قصروا في الأمر والنهى والوعد والوعيد، وأفرطوا حتى خرج غلاتهم إلى الإلحاد، فصارِوا من جنس المشركين الذين قالوا: {لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ١٤٨] " (٢).

* * *

[رأي الشيخ الصاوي]

أولًا: تعريف القدر:

يذكر الصاوي آراء من سبقه في تعريف القدر، فيقول: قالت الأشاعرة: هو إيجاد الله الأشياء على طبق ما سبق به علمه وإرادته.


(١) انظر: شرح الأصول الخمسة للقاضي عبد الجبار: ٢٩٩. ومجموع الفتاوى: (٨/ ٤٥٠).
(٢) مجموع الفتاوى: (٨/ ٩٨).

<<  <   >  >>