للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ينكرونه، فقلت: يا ابن عباس، ما تقول في القدر، لو أن هؤلاء أتوك يسألونك، وقال مرة يسألونك عن القدر، إن زنا وإن سرق أو شرب؟ فحسر عن قميصه حتى أخرج منكبيه، وقال: يا أبا يحيى لعلك من الذين ينكرون القدر ويكذبون به، والله لو أعلم أنك منهم، أو هذين معك لجاهدتهم، إن زنا فبقدر، وإن سرق فبقدر، وإن شرب الخمر فبقدر" (١).

- أما عن أرباب الفتنة، ومن قام بوضع بذورها واحتوائها؛ فيحكى المؤرخون (٢) أن غيلان الدمشقى (٣) ومعبد الجهني (٤) هما أول من عرف عنه الخوض في القدر، وذلك في عهد المتأخرين من الصحابة الكرام، وقد أخذ عن معبد الجعد بن درهم الذي تولى كبر نشر هذه الفتنة بين المسلمين، وكان أن تصدى لهم جمع من الصحب الكرام يعلنون التبرؤ منهم، وتحذير الناس من ضلال ما أتوا به، حتى روى أن ذلك هو السبب في إخبار الصحابى الجليل عبد الله بن عمر بحديث جبريل - عليه السلام - (٥).

هذا وتنقسم القدرية؛ بحسب موقفهم من القدر إلى: قدرية غلاة، وأخرى متوسطة:

- أما الغلاة منهم، فهم الذين أنكروا علم الله تعالى وكتابته ومشيئته وخلقه لأفعال العباد: "حتى قال فيهم الأئمة، كمالك والشافعي وأحمد بن حنبل وغيرهم: إن المنكرين لعلم الله المتقدم يكفرون" (٦).


(١) رواه عبد الله بن أحمد في كتاب السنة: (٢/ ٤٢٥).
(٢) انظر: الفرق بين الفرق للبغدادى: ٣٩ والملل والنحل للشهرستانى: (١/ ٣٠).
(٣) هو: غيلان بن مسلم، أبو مروان، أخذ القول عن معبد الجهني كما دلت على ذلك بعض النصوص التاريخية قتل صلبًا بفتوى من الإمام الأوزاعي على باب دمشق في عهد الخليفة الأموى: عبد الملك بن مروان انظر الملل والنحل للشهرستانى: (١/ ٣٠)، الأعلام للزركلى: (٥/ ١٢٤).
(٤) هو معبد بن خالد الجهني البصري أول من أظهر خبث المقالة في القدر، قال أبو حاتم: "قدم المدينة فأفسد فيها ناسًا" يقال أنه أخذ مذهبه عن رجل نصرانى يدعى سوسن أسلم ثم عاد إلى الكفر مرة أخرى، قيل في موته أن الحجاج قتله بعد خروجه عليه مع ابن الأشعث سنة: ٨٠ هـ. انظر: تهذيب التهذيب: (١٠/ ٢٢٥)، والأعلام (٨/ ١٧٧). وشرح أصول اعتقاد أهل السنة والجماعة للالكائى: (٤/ ٨٢٧).
(٥) انظر: جامع العلوم والحكم لابن رجب: (١/ ٩٤).
(٦) مجموع فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية: (٨/ ٤٥٠). وانظر: في حكاية تكفيرهم.

<<  <   >  >>