للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

- والأصل في عد الإيمان بالقضاء والقدر ركنًا من أركان الإيمان، لا يقبل الله تعالى إيمان عبد إلا بتحققه منه: الأدلة التي ردت في الكتاب والسنة، منها قوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} [القمر: ٤٩]، فهذا نص من المولى تعالى على أن جميع المخلوقات إنما تحقق وجودها وفقًا لما قدره تعالى بشأنها (١).

أما الأدلة من السنة فأعظمها دلالة حديث جبريل - عليه السلام - المشهور الذي قال فيه المصطفى - صلى الله عليه وسلم - حين سئل عن الإيمان: (أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره) (٢).

وقبل التطرق بالحديث عن الفرق التي ظهر عندها الانحراف في معتقد القدر داخل المجتمع المسلم؛ أود أن ألقى الضوء على بعض الحوادث، التي قد لا تكون يداية لخط الانحراف الذي داخل عقيدة المجتمع الإسلامى آنذاك، وإنما هي بمثابة الإرهاصات، أو بوادر الفتنة، التي ألمت بالمسلمين تجاه عقيدة القدر، وقد تعبر بشكل أو آخر عن شفافية هذا الموضوع، وارتباطه الوثيق بحقيقة الإيمان، الذي يعني التسليم التام لكل ما جاء به الشرع.

فقد وقعت أحداث متعددة، تمثل صورًا أو حالات فردية، لم تتبلور بعد من الانحراف العقدى في القدر، منها ما وقع في عهد عمر - رضي الله عنه -: فيحكى أن رجلًا سرق فقال له عمر: لم سرقت؟ فقال: سرقت بقضاء الله وقدره، فأجابه عمر - رضي الله عنه - بما يقطع عليه هذه الحجة، ويحسم مادة استشرائها في الأمة قائلًا: ونحن نقطع يدك بقضاء الله وقدره (٣).

وإذا كانت الحادثة السابقة تمثل صورة من صور الغلو في الإيمان بالقدر، فهناك ما يمثل الجانب الآخر من الجفاء والتفريط في هذا الأصل الإيمانى، فعن أبي يحيى مولى ابن عفراء، قال: أتيت ابن عباس ومعى رجلان من الذين يذكرون القدر أو


(١) انظر: تفسير القرآن العظيم، لابن كثير: (٤/ ٣٣٩).
(٢) والحديث أخرجه مسلم في صحيحه: كتاب الإيمان - باب الإيمان والإسلام والإحسان: (١/ ١٥٧).
(٣) انظر: منهاج السنة: (٣/ ٢٣٤).

<<  <   >  >>