للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والسلام - في الحديث القدسي: (كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ورجله التي يمشى عليها، ويده التي يبطش بها) (١).

وهذا البقاء لا ينافي الفناء الشرعي، حيث يصير العبد فانيًا "عن تأله ما سوى الله؛ بتأله الله تحقيقًا لقوله: (لا إله إلا الله)، فينفى ويفنى من قلبه تأله ما سواه، ويثبت ويبقى في قلبه تأله الله وحده" (٢).

وكل معنى للبقاء سوى هذا؛ فهو مردود: إما أن يدخل صاحبه في دائرة الابتداع، أو دائرة الكفر بالقول بوحدة الوجود.

[أحكام البقاء]

يرى الصاوي أن للبقاء أحكامًا تكون علمًا على بلوغ هذه المرتبة للسالك، فالاستدلال بالصنعة على الصانع عنده هو طريق السالكين الذين لما يصلوا بعد، أما الاستدلال بالله على خلقه فهذا هو صفة الواصلين من أهل البقاء، وغاية ما فيه استغراق في توحيد الربوبية، ولكنه غير كافٍ في بلوغ منازل الكمل من الناجين" فلو أقر رجل بتوحيد الربوبية، الذي يقر به النظار، ويفنى فيه كثير من أهل التصوف، ويجعلونه غاية السالكين، . . .، وهو مع ذلك إن لم يعبد الله وحده، ويتبرأ من عبادة ما سواه، كان مشركًا من جنس أمثاله من المشركين" (٣).

ومع ذلك فإنه لا يسلم له أن طريق الاستدلال بالخلق على الخالق طريق السائرين الذين لم يصلوا بعد، بل قد أمر المولى عباده به، ووصف من انتهجه منهم بالعقل والفكر، قال تعالى {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لَآيَاتٍ لِأُولِي الْأَلْبَابِ}، وسيأتي تفصيله في المبحث التالي بإذن الله.

أما ما ادعاه الصاوي من أن البقاء الذي يتبع الفناء، يطلق العبد من التكاليف، فتخرج أفعاله عن مقتضى الحساب من العقوبة والذنب، فهذا عين التقول الباطل،


(١) سيأتي مزيد بيان عن هذا في المبحث التالي بعون الله تعالى: ٧٢٣.
(٢) مجموع الفتاوى: (٨/ ٣٧٠).
(٣) شرح الطحاوية: ٣٦.

<<  <   >  >>