للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كان عليها الصحابة - رضوان الله عليهم - في طلب القرب من المولى تعالى، وإن كان قد وصل إلى ما وصل بلا تعمد؛ كحال بعض المجانين، الذين عظم شأنهم الصوفية فهؤلاء معذورون، والإثم يلحق بمن عظم كلامهم حال اصطلامهم، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "فمثل هذه الحال التي يزول فيها تمييزه بين الرب والعبد، وبين المأمور والمحظور، ليست علمًا ولا حقًا، بل غايته أنه نقص عقله، الذي يفرق به بين هذا وهذا، وغايته أن يعذر، لا أن يكون قوله تحقيقًا". (١)

ولا شك أن هذا كله من كيد الشيطان، يقول الإمام ابن القيم في بيان ما لبس عليهم من وحيه وكذبه: "ومن كيده: ما ألقاه إلى جهال المتصوفة من الشطح والطامات، وأبرزه لهم في قالب الكشف من الخيالات، فأوقعهم في أنواع الأباطيل والترهات، وفتح لهم أبواب الدعاوى الهائلات، وأوحى إليهم: أن وراء العلم طريقًا إن سلكوه أفضى بهم إلى كشف العيان، وأغناهم عن التقيد بالسنة والقرآن، فحسن لهم رياضة النفوس وتهذيبها، وتصفية الأخلاق، والتجافي عما عليه أهل الدنيا وأهل الرياسة والفقهاء وأرباب العلوم، والعمل على تفريغ القلب وخلوه من كل شيء، حتى ينتقش فيه الحق بلا واسطة تعلم، فلما خلا من صورة العلم الذي جاء به الرسول؛ نقش فيه الشيطان بحسب ما هو مستعد له، فلغير الله لا له سبحانه ما يفتحه عليهم الشيطان من الخيالات والشطحات". (٢)

ثانيًا: تعريف البقاء:

أما عن حقيقة البقاء الشرعية، فإذا كان الفناء عن إرادة السوى هو حقيقة التوحيد، وغاية الإخلاص لله تعالى، وهو المراد من أنواع الفناء، الذي اجتهد في تحصيلها العباد؛ فما هو البقاء الشرعي المقابل لذلك الفناء، الذي يدعيه أهل البدع والضلالات؟ إن البقاء المحمود؛ كما يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -، هو ما كان عليه سلف الأمة، وهو البقاء في مراضى الرب تعالى، كما قال - عليه الصلاة


(١) المرجع السابق: (٨/ ٣١٣).
(٢) إغاثة اللهفان: ١١٩.

<<  <   >  >>