للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وعليه فإن كل ما أتى الصوفية به في مقام الفناء عن شهود السوى؛ إنما هو من قبيل تقرير المسلمات، والاستدلال لليقينيات، وجعل غاية الطلب في تقرير أمر قد سلم له الكثير من المشركين، والكفرة المارقين، "وهذا الموضع وقع فيه من الشيوخ الكبار من شاء الله، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وهؤلاء غاية توحيدهم هو توحيد المشركين، الذين كانوا يعبدون الأصنام، الذين قال الله عنهم: {قُلْ لِمَنِ الْأَرْضُ وَمَنْ فِيهَا إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٤) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَذَكَّرُونَ (٨٥) قُلْ مَنْ رَبُّ السَّمَاوَاتِ السَّبْعِ وَرَبُّ الْعَرْشِ الْعَظِيمِ (٨٦) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ أَفَلَا تَتَّقُونَ (٨٧) قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ يُجِيرُ وَلَا يُجَارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (٨٨) سَيَقُولُونَ لِلَّهِ قُلْ فَأَنَّى تُسْحَرُونَ} [المؤمنون: ٨٤ - ٨٩] " (١)

أحكام الفناء:

أما عن الأحوال التي قد تعترض صاحب هذا المقام من الذهول والخروج عن طور التكليف؛ كما بين الصاوي، حتى سوغ لصاحبه هذا المقال الشنيع، وهو قوله: انشلنى من أوحال التوحيد، الذي صار ذكر أكابر المولهين من أصحاب الطرق الصوفية المتأخرة، لمن الأمور التي يعلم بطلانها بالضرورة من دين الإسلام، وهذه المقولة وأمثالها من شطحات الصوفية قد فصل العلماء في بيان حكم قائلها بما يقطع عدم إرادتها من جهة الشرع، فليس يخرج قائلها عن قولها: إما بعمد، أو غلبة حال.

فإن كان الأول؛ فهو كافر مارق، وهذا من ألفاظ الردة؛ لأن فيها استهزاء بالدين، ووصفًا للب الدين، وحقيقة العبودية؛ بما يستقذر منه.

وأما إن قالها عن غلبة حال؛ فهو معذور لزوال عقله، ومن هنا فليس حاله حال كمال، بل هو حال نقص، لأن زوال العقل مما لا مدح فيه.

وإن كان زوال عقله بقصد وتعمد فهو آثم؛ لأنه سلك غير سبيل المؤمنين، التي


(١) مجموع الفتاوى: (٨/ ١٠١).

<<  <   >  >>