للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وهذا الذي كان منه في أمر الأسماء إنما يصح أن يكون صورة واحدة من الصور المتعددة التي يظهر فيها خروجه عن التزام ذلك المبدأ، وهو التوقف في كل ما يعد من شؤونه - عليه الصلاة والسلام -، خشية الوقوع في الغلو المذموم.

ثانيًا: قضية التفضيل:

ومن القضايا المهمة التي تتعلق بشأن نبوة المصطفى - عليه الصلاة والسلام - قضية التفضيل وقد أشار الصاوي إلى بعض ما قيل في الجمع بين ما تواترت الأخبار في تفضيله على سائر الرسل، وبين ما ورد من نهيه - عليه الصلاة والسلام - وتحذيره من تفضيله على موسى - عليه السلام -، أو تفضيل أحد على يونس بن متى (١) وإن كان ما ذكره من أن النهى يقصد به ما أدى إلى التنقيص من شأن موسى ويونس - عليهما السلام - يعد من أقوى الأقوال في الجمع بين تلك النصوص.

ومما قيل في الجمع بينهما أن النهى عن المفاضلة كان قبل أن يوحى إليه - عليه الصلاة والسلام - بالتفضيل أما وقد أوحى إليه فلا يبعد أن يكون النهى في باب المنسوخ من الأحكام ومن المعلوم أن النسخ جائز فيها.

ويرى الإمام ابن قتيبة أن هذا النهى الوارد منه - عليه الصلاة والسلام - كان من باب التواضع مع علمه السابق بتفضيله على سائر الأنبياء، كما ورد في الحديث: (أنا سيد ولد آدم يوم القيامة) (٢).

يقول ابن قتيبة في ذلك: "وإنما أراد أنه سيد ولد آدم يوم القيامة؛ لأنه الشافع يومئذ، والشهيد، وله لواء الحمد والحوض، وهو أول من تنشق عنه الأرض، وأراد بقوله: (لا تفضلوني على يونس) من طريق التواضع". (٣)

وكان لبعضهم توجيهًا آخر للنهى الوارد وذلك ما ذكره الإمام القرطبي في


(١) تقدم تخريج هذه الأحاديث: ٤٣٥.
(٢) أخرجه مسلم في: كتاب الفضائل - باب تفضيل نينا - صلى الله عليه وسلم -: (١٥/ ٣٧).
(٣) تأويل مختلف الحديث: ١٣٢.

<<  <   >  >>