للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

التفسير، يقول بعد عرضه الأقوال السابقة الذكر" قلت: وأحسن من هذا قول من قال: إن المنع من التفضيل إنما هو من جهة النبوة التي هي خصلة واحدة لا تفاضل فيها، وإنما التفضيل في زيادة الأحوال والخصوص والكرامات والألطاف والمعجزات المتباينات، وأما النبوة في نفسها فلا تتفاضل وإنما تتفاضل بأمور أخرى زائدة عليها ولذلك منهم رسل وأولو عزم، ومنهم من اتخذ خليلًا، ومنهم من كلم الله ورفع بعضهم درجات، قال الله تعالى: {وَلَقَدْ فَضَّلْنَا بَعْضَ النَّبِيِّينَ عَلَى بَعْضٍ وَآتَيْنَا دَاوُودَ زَبُورًا} [الإسراء: ٥٥]، وقال: {تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ} [البقرة: ٢٥٣].

وفي المسألة أقوال متعددة أوردها الحافظ ابن حجر في كتابه وفى كل منها ما له وجه يقتضى إمكان إرادته وكان من أفضلها في اعتقادى ما ذكره الصاوي لأن النهى مراد لعدم التنقص والوقوع في المنهى عنه من قلة احترام الأنبياء والتقليل من شأنهم فكان الواجب التزام الأدب في تعظيمهم وهذا لا يمنع - كما ذكر أهل العلم - من اعتقاد تفضيل الرسول - عليه الصلاة والسلام -، كما لا يخفى من الأدلة الصحيحة. (١)

وكان استدلال الصاوي على هذه الأفضلية بما اختص به - عليه الصلاة والسلام - من مزايا كعموم رسالته لا مراء فيه وقد ذكر الاحتجاج به دون أن يعزو ذلك والصحيح أن هذا كان مستند ابن عباس - رضي الله عنهما - في تفضيله - عليه الصلاة والسلام - على غير من الأنبياء، فقد روى عن ابن عباس أنه قال: "إن الله فضل محمدًا - صلى الله عليه وسلم - على الأنبياء وعلى أهل السماء. فقالوا: يا ابن عباس، بم فضل على أهل السماء؟ قال: إن الله قال لأهل السماء: {وَمَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِهِ فَذَلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الظَّالِمِينَ} [الأنبياء: ٢٩].

وقال الله لمحمد - صلى الله عليه وسلم -: {إِنَّا فَتَحْنَا لَكَ فَتْحًا مُبِينًا (١) لِيَغْفِرَ لَكَ اللَّهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِكَ وَمَا تَأَخَّرَ وَيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَيَهْدِيَكَ صِرَاطًا مُسْتَقِيمًا} [الفتح: ١ - ٢].


(١) التفسير: (٣/ ٢٤٩). وانظر: ما ذكره الحافظ من هذه الأقوال في الفتح: (٦/ ٥١٤). وانظر: كتاب الشفا للقاضى عياض في ذكر هذه الأقوال: (٢/ ٦١٨).

<<  <   >  >>