للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[تمهيد]

[تعريف المقام]

المقامات جمع مقام، وإما أن يراد به أمر حسي أو أمر معنوي، والحسي كقوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥] إذ "المقام في اللغة: موضع القيام" (١)، فقد يكون بمعنى الإقامة، وقد يكون بمعنى موضع القيام" (٢) أما استعماله في الأمر المعنوي، قد ورد في قوله تعالى: {عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا} [الإسراء: ٧٩] عن ابن عباس - رضي الله عنهما -: (المقام المحمود: مقام الشفاعة). (٣)

ومما يصح حمله على كلا الوجهين المقام في قوله عز وجل: {وَمَا مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقَامٌ مَعْلُومٌ} [الصافات: ١٦٤]، يقول البغوي: "يقول جبرائيل للنبي - صلى الله عليه وسلم -: وما منا معشر الملائكة إلا له مقام معلوم يعبد الله فيه (٤) ".

ومما قيل في معناه: " (إلا له مقام معلوم): في القربة والمشاهدة" (٥)

وللصوفية في تعريف المقام أقوال، ويرجع هذا إلى عدم انضباط معارفهم، حيث تستند إلى الذوق والوجدان؛ مما يؤدي بدوره إلى صعوبة تحديد مصطلحاتهم، ويمكن القول بأن المقامات - عندهم - هي مدارج العبودية التي يترقى في سلوكها العبد، يقول أبو نصر السراج فيه: "مقام العبد بين يدي الله عز وجل فيما يقام فيه من العبادات. . قال تعالى: {ذَلِكَ لِمَنْ خَافَ مَقَامِي وَخَافَ وَعِيدِ} [إبراهيم: ١٤] " (٦)


(١) فتح القدير: (١/ ٢٠٥).
(٢) مختار الصحاح: (٢٥٦).
(٣) جامع البيان: (١٥/ ١٤٤).
(٤) أخرج الترمذي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: (أطت السماء، وحق لها أن تئط، والذي نفسى بيده ما فيها موضع أربع أصابع إلا وملك واضع جبهته لله ساجدًا): كتاب الزهد - باب في قول النبي: (لو تعلمون ما أعلم)، رقم الحديث: ٢٣١٢، وقال حديث حسن: (٤/ ٤٨١) وصححه الألباني في صحيح الترمذي برقم: ١٨٨٢: (٢/ ٢٦٨).
(٥) تفسير البغوى: (٧/ ٦٣).
(٦) اللمع: ٦٥. وانظر: موقف الإمام ابن تيمية من التصوف، لشيخنا الدكتور الفاضل: أحمد بنانى: ١٠٨.

<<  <   >  >>