إن ما انتهجه الأشاعرة في الاستدلال للمعاد؛ ليعد من المناهج غير البرهانية، وبالتالى فكل ما يتوصل إليه من نتائج، فإنه لا يحمل طابع الحجية المقنعة.
وذلك لأن الاستدلال بالإمكان الذهنى، حقيقته أن الذهن لا يمنع حصول ما يراه ممكنًا؛ فتصبح الحقيقة المبنية عليه مجرد توقعات ذاتية لا مستند لها من أرض الواقع، وهذا ما نقضه عليهم شيخ الإسلام - رحمه الله -، يقول: إن "الإمكان الذهنى حقيقته عدم العلم بالامتناع، وعدم العلم بالامتناع لا يستلزم العلم بالإمكان الخارجى, بل يبقى الشيء في الذهن غير معلوم الامتناع، ولا معلوم الإمكان الخارجى"(١)
وحاصل ما ذكر أن الأمر يصبح مجرد دعوى، تفتقر إلى دليل يعضد ما يقوم بالذهن من احتمالات، لا يجد ما يدفع إمكان وجودها، ومن هذه الحيثية فإن هذا المسلك يفقد طابع البرهانية؛ ويبقى في جملة الدعاوى التقريرية، التي يضعف الاستدلال بها, ولو توقفوا عن القول به وتابعوا الصاوي في حصر حجيته بطريق النقل والإجماع لكان أفضل.
ومع ذلك فإن في غياب هذا الأصل - وهو إثبات حجية البعث بالمسلك العقلى - مخالفة لصريح ما أنزل الله تعالى في كتابه، فقد أتى به التصريح في كثير من الآيات الكريمة على إمكان الاستدلال للمعاد استدلالًا ذهنيًا برهانيًا؛ يستند في حجيته إلى القياس، بحيث يخرج الاستدلال له عن دائرة الإمكان الذهنى إلى دائرة الإمكان الخارجى، والذي يجعل من الوقائع المشاهدة على أرض الواقع مسلكًا يصل منها إلى إمكان حصوله مرة أخرى.
وكل ما ذكره الصاوي من طرق في الاستنباط العقلى؛ لا تخرج في حقيقتها عن مسلك القياس المذكور أعلاه, وعند تحقيق الأمر في هذه المهمة نجد أن طرق القياس