للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

فأفعال المولى تعالى كلها دائرة بين العدل، والفضل، والحكمة، والمصلحة لا محيد فيها عن ذلك.

وأما ما يلزم الصاوي لمنعه التعليل من؛ أنه تعالى "يخلق الشر الذي لا خير فيه، ولا منفعة لأحد، ولا له فيه حكمة، ولا رحمة، ويعذب الناس بلا ذنب لم يكن مدحًا له بل العكس؛ والحق أن هذا هو مذهب الجهم بن صفوان الذي يقول فيه: "إن الله خلق الشر المحض الذي لا خير فيه لأحد؛ لا لحكمة ولا لرحمة" (١)

و"الكتاب، والسنة، والاعتبار يبطل هذا" (٢)

ولا بد في بيان هذا الأصل من التنبيه إلى أن عدم العلم بالحكمة لا يعني انتفاءها، يقول شيخ الإسلام - رحمه الله -: "ما من ذرة في السموات والأرض ولا معنى من المعانى؛ إلا وهو شاهد لله تعالى بتمام العلم والرحمة، وكمال القدرة والحكمة، وما خلق الخلق باطلًا، ولا فعل شيئًا عبثًا، بل هو الحكيم في أفعاله وأقواله سبحانه وتعالى، ثم إن من حكمته ما أطلع بعض خلقه عليها، ومنها ما استأثر سبحانه بعلمه" (٣)

لهذا كان الجواب بقوله تعالى: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ} كافيًا في الإجابة على سؤال الملائكة القائلين: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ} [البقرة: ٣٠].

فإنه ليس من مقدور البشر الإحاطة بحكمة الرب تعالى في فعله وخلقه وأمره، فالأصل أن حكمته تعالى "صادرة من علمه، وحكمته، وقدرته" (٤) وما يعلمه لا يقدر على الإحاطة به إلا هو؛ لذا قرن الملائكة بين هذين الوصفين عندما أمروا بذكر أسماء المسميات؛ فـ {قَالُوا سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [البقرة: ٣٢].


(١) شفاء العليل: ٣٠١.
(٢) الفتاوى: (٨/ ٢٠٧).
(٣) المرجع السابق: (٨/ ١٩٧).
(٤) المرجع السابق: (٨/ ٤٦٥). وانظر: (٨/ ٣٩٨).

<<  <   >  >>