للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والذي عليه مذهب أهل السنة والجماعة في هذه القضية، أنه مع صحة التفريق الذي ذكره الصاوي بين ما يرضاه تعالى وما يريده، أو كما يعبر عنه باللغة المطابقة لما ورد بلسان الشرع؛ بين ما يريده شرعيًا، وما يريده كونًا؛ إلا أن ذلك ليس فيه ما يعني نفى الحكمة عن مراداته تعالى، فالخير منه وإليه، والشر ليس إليه، يوضحه أن المراد قد يكون مرادًا لذاته، أو مرادًا لغيره، والأول كإيمان المؤمنين وتعريضهم للثواب والأجر، وأما الثاني فكإيجاده لإبليس، "فإن في خلق إبليس من الحكم والمصالح والخيرات التي ترتبت على وجوده ما لا يعلمه إلا الله، فالله سبحانه لم يخلقه عبثًا، ولا قصد بخلقه إضرار عباده وهلاكهم" (١)

فالشر في حقيقته نوعان: شر محض، وشر نسبى، والأول لا مكان له في الوجود، لأنه تعالى لا يخلق شيئًا عبثًا، وأما الشر النسبي الذي قد يكون في حقيقته شرًا مؤكدًا ولكنه بالإضافة إلى ما يترتب عليه من المصالح العميمة يصبح شره نسبيًا بحيث يراد للخير الذي يتأتى بسببه؛ فهذا ما يتوجه له القول في خلق إبليس، فقد كان وجوده سببًا لظهور حقائق الإيمان من القلوب، قال تعالى: {مَا كَانَ اللَّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى مَا أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتَّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ} [آل عمران: ١٧٩].

وهذا هو الحال في الكثير مما يريده تعالى من الأمور التي ظاهرها الشر، كسائر المصائب والابتلاءات؛ فإنه بالنظر إلى حقيقتها من حيث هي، فلا يشك في كونها شر، ولكنها بالنسبة لما يترتب عليها من أنواع العبادات القلبية والبدنية، كالصبر، والرضا، واليقين، والإنابة إلى الله تعالى، تكون مرادة محمودة، فكل "مخلوق باعتبار الحكمة التي خلق لأجلها خير وحكمة، وإن كان فيه شر من جهة أخرى، فذلك أمر عارضى جزئى ليس شرًا محضًا". (٢)


(١) شفاء العليل: ٣١٠.
(٢) مجموع الفتاوى: (٨/ ٥١٢).

<<  <   >  >>