للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

باعثة لا تسمى غاية، إذ الغاية هي التي يتغيها الإنسان بمعنى أنه يقصد فعله لأجل تحقيقها، وبالتالى تكون هي الباعثة له على فعله؛ ولذا صح تسميتها بالغاية، فأى تفريق بينهما لا اعتداد به لمخالفته صريح العقل والفطرة.

وهذا ما رد به شيخ الإسلام على الفلاسفة النافين للحكمة، حيث ألزمهم بالإقرار بها لإثباتهم العلة الغائية، يقول: "إما أن تثبتوا لمبدع العالم حكمة وغاية مطلوبة، وإما ألَّا تثبتوا، فإن لم تثبتوا بطل قولكم بإثبات العلة الغائية، وبطل ما تذكرونه من حكمة الباري تعالى في خلق الحيوان، وغير ذلك من المخلوقات" (١) إلى آخر كلامه - رحمه الله - في إثبات الحكمة على الوجه المراد منها.

ويكون الصاوي بإثباته وجود اللام الغائية في القرآن؛ قد خالف أصل المذهب في هذه القضية، يقول شيخ الإسلام: "وأما نفاة الحكمة كالأشعرى وأتباعه، كالقاضى أبى بكر، وأبى يعلى وغيرهم، فهؤلاء أصلهم أن الله لا يخلق شيئًا لشيء، فلم يخلق أحدًا لعبادة، ولا لغيرها، وعندهم ليس في القرآن لام كى، لكن قد يقولون: في القرآن لام العاقبة". (٢)

ولكن تفريقه بين العلة الغائية وبين العلة الباعثة يعد انتكاسًا، ورجوعًا إلى مذهب الأشاعرة، كما أنه ليس بخفى ما وقع فيه من تناقض بسبب هذه الآراء المتعددة، فقد حاول التوسط بين قولين، كل منهما على نقيض الآخر، وهذا من المحال، فيعود بذلك إلى مذهب نفاة الحكمة والتعليل.

ومما يؤكد هذا أنه وجد في نفى الحكمة والغرض بغيته في الرد على المخالفين في القدر من المعتزلة، أو الجبرية الغلاة، فإنه حين منع التلازم بين الرضا والإرادة؛ برر بنفى التعليل، والغرض ما قدر له الوقوع من الكفر الذي انتفى عنه الرضا.

وكان هذا الاعتقاد حاملًا له على تفسير الظلم؛ بأنه التصرف في ملك الغير حتى ينزه أفعاله تعالى التي اعقد فيها الخلو من العلل والأغراض عن الظلم.


(١) الفتاوى: (٨/ ٨٨).
(٢) الفتاوى: (٨/ ٤٤).

<<  <   >  >>