وإثبات الحكمة على هذا الوجه الذي دل عليه المنطوق الصحيح والمعقول الصريح؛ "به يثبت أن الله حكيم؛ فإنه من لم يفعل شيئًا لحكمة لم يكن حكيمًا"(١).
* * *
أما ما ذهب إليه الأشاعرة من أن المراد بصفة الحكمة؛ الإحكام، والإتقان في الصنعة، وأن معنى الحكيم من اتصف بذلك، فيكون من باب التفسير بجزء المعنى فقط، ولا كفاية فيه لدلالة على المراد من هذه الصفة العظيمة، ثم إن في تفسير الحكمة بالإحكام إلزام لهم بإثبات الحكمة له تعالى في كل أفعاله وخلقه وأمره، كما دلت على ذلك نصوص الكتاب والسنة، إذ لا مفهوم للإحكام إلا أن يكون لكل جزء في المخلوق من حيث تركيبه على هيئة معينة، ووفق سنة ربانية معهودة وغاية محمودة؛ لأجلها تم إحداثه، وإناطة الوظيفة به على الصورة التي ركب عليها. والأدلة الشرعية نقلية وعقلية تفيد هذا، وتدل عليه بأوضح حجة، وأكمل برهان.
والحق أن الصاوي في هذا الباب قد وقع في التناقض؛ إذ كيف ينفى عن أفعال الله تعالى تعليلها بالعلل والأغراض، ويذكر حجة الأشاعرة في ذلك، ثم يفسر الحكيم على أحد أقواله؛ بأنه واضع الشيء في محله! ، مع أنه يدرك ببداهة العقل أن من كانت هذه صفته وجب اتصافه بالحكمة على مراد السلف منها.
بل ويثبت الحكمة في أفعاله، ويستنكر على من نفى هذا بقوله:"سبحانك ما خلقت هذا عبثًا"!
هذا من جهة، ومن جهة أخرى؛ كيف يثبت الحكمة في أفعاله بمعنى العلة الغائية، ويرى في ذلك مخرجًا من إلزامات الأشاعرة السابقة! ، ثم يفرق بينها وبين العلة الباعثة؟ ، مع أنه عند التحقيق لا فرق بينهما البته؛ وذلك أن الغاية ما لم تكن