للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أو أن يراد به مغايرة الحكمة له، واستكماله بها، عند اتصافه بها.

أما المراد الأول فممتنع؛ لأنه "لا رب غيره، ولا خالق سواه، ولم يستفد سبحانه من غيره كمالًا بوجه من الوجوه".

وكذلك الثاني؛ فإنه لا يسلم مراده؛ لأن "الحكمة صفته سبحانه، وصفاته ليست غيرًا له".

فكما أنه تعالى متصف بالعلم، والقدرة، والإرادة مع كونها قائمة به، ليست مغايرة له، فكذلك الحكمة فهى صفته تعالى، ولا يقال في وصفه بها: إنه مستكمل بغيره. (١)

ثم إن منعهم التعليل بحجة الاستكمال "منقوض بنفس ما يفعله - تعالى - من المفعولات" (٢)، فإذا ثبت أنه تعالى يفعل المفعولات، كما يقر بذلك الأشاعرة دون أن يلزمه الاستكمال بها؛ فكذلك ما يفعله تعالى لعلة محمودة.

- وإذا ثبت بطلان أصلهم في منع تعليل أفعال الرب تعالى، بقى أن أبين من جانب التقرير المستند إلى دلالة العقل في فهم نصوص الشرع ما يكفى في إثبات تعليل أفعاله تعالى بالحكمة.

فمن الأمور المستقرة في الفطر والألباب اتصافه تعالى بكل كمال، كما أن أسماءه الحسنى دالة على هذا الأصل العظيم في العلم بما يجب في حقه تعالى، ولما كان في إثبات الحكمة كمال؛ لأن النقل الصحيح والعقل الصريح يقضيان؛ بأن من يفعل الفعل لغاية محمودة أكمل ممن يخلو مراده عن ذلك، وفي نفيها عنه - تعالى - نقص, "والأمة مجمعة على انتفاء النقص عن الله، بل العلم بانتفائه عن الله تعالى من أعلى العلوم الضرورية المستقرة في فطر الخلق" (٣)؛ وجب إثباتها لله تعالى.


(١) المرجع السابق: ٣٤٨. ومجموع الفتاوى: (٨/ ١٤٦).
(٢) مجموع الفتاوى: (٨/ ١٤٦).
(٣) المرجع السابق: ٣٤٩. ومجموع الفتاوى: (٨/ ١٤٧).

<<  <   >  >>